الجديد تبديل نشأتهم الدنيا من نشأة أخرى ذات نظام آخر وراء النظام الطبيعي الحاكم في الدنيا فإن في النشأة الأخرى وهي الخلق الجديد بقاء من غير فناء وحياة من غير موت ثم إن كان الإنسان من أهل السعادة فله نعمة من غير نقمة وإن كان من أهل الشقاء ففي نقمة لا نعمة معها ، والنشأة الأولى وهي الخلق الأول والنظام الحاكم فيها على خلاف ذلك.
والمعنى : إذا كنا خلقنا العالم بسمائه وأرضه وما فيهما ودبرناه أحسن تدبير لأول مرة بقدرتنا وعلمنا ولم نعجز عن ذلك علما وقدرة فنحن غير عاجزين عن تجديد خلقه وهو تبديله خلقا جديدا فلا ريب في قدرتنا ولا التباس بل هم في التباس لا سبيل لهم مع ذلك إلى الإيمان بخلق جديد.
قوله تعالى : « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » قال الراغب : الوسوسة الخطرة الرديئة وأصله من الوسواس وهو صوت الحلي والهمس الخفي. انتهى.
والمراد بخلق الإنسان وجوده المتدرج المتحول خلقا بعد خلق لا أول تكوينه إنسانا وإن عبر عنه بالماضي إذ قال : « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ » إذ الإنسان ـ وكذا كل مخلوق له حظ من البقاء ـ كما يحتاج إلى عطية ربه في أول وجوده كذلك يحتاج إليه في بقائه.
ولما ذكر من النكتة عطف قوله : « وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ » وهو فعل مضارع مسوق للدلالة على الاستمرار على قوله : « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ » وهو فعل ماض لكنه مستمر المعنى ، وكذا قوله : « وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » مفيد للثبوت والدوام والاستمرار باستمرار وجود الإنسان.
وللآية اتصال بما تقدم من الاحتجاج على علمه وقدرته تعالى في الخلق الأول بقوله : « أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ » واتصال أيضا بقوله تعالى في الآية السابقة : « بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ » فهي في سياق يذكر قدرته على الإنسان بخلقه ، وعلمه به بلا واسطة وبواسطة الملائكة الحفظة الكتبة.
فقوله : « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ » ـ واللام للقسم ـ دال على القدرة عليه بإثبات الخلق.