وقوله : « وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ » النذر جمع نذير والمراد به الرسول على ما يفيده السياق ، وأما تعميم بعضهم الندر للرسول ونوابهم من العلماء ففي غير محله.
وفسروا « مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ » بالذين كانوا قبله و « مِنْ خَلْفِهِ » بالذين جاءوا بعده ويمكن العكس بأن يكون المراد بالنذر بين يديه من كانوا في زمانه ، ومن خلفه من كان قبله ، والأولى على الأول أن يكون المراد بخلو النذر من بين يديه ومن خلفه أن يكون كناية عن مجيئه إليهم وإنذاره لهم على فترة من الرسل.
وقوله : « أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ » تفسير للإنذار وفيه إشارة إلى أن أساس دينه الذي يرجع إليه تفاصيله هو التوحيد.
وقوله : « إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ » تعليل لدعوتهم إلى التوحيد ، والظاهر أن المراد باليوم العظيم يوم عذاب الاستئصال لا يوم القيامة يدل على ذلك ما سيأتي من قولهم : « فَأْتِنا بِما تَعِدُنا » وقوله : « بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ » والباقي ظاهر.
قوله تعالى : « قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا » إلخ ، جواب القوم له قبال إنذاره ، وقوله : « لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا » بتضمين الإفك وهو الكذب والفرية معنى الصرف والمعنى : قالوا أجئتنا لتصرفنا عن آلهتنا إفكا وافتراء.
وقوله : « فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ » أمر تعجيزي منهم له زعما منهم أنه عليهالسلام كاذب في دعواته آفك في إنذاره.
قوله تعالى : « قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ » إلخ ، جواب هود عن قولهم ردا عليهم ، فقوله : « إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ » قصر العلم بنزول العذاب فيه تعالى لأنه من الغيب الذي لا يعلم حقيقته إلا الله جل شأنه ، وهو كناية عن أنه عليهالسلام لا علم له بأنه ما هو؟ ولا كيف هو؟ ولا متى هو؟ ولذلك عقبه بقوله : « وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ » أي إن الذي حملته وأرسلت به إليكم هو الذي أبلغكموه ولا علم لي بالعذاب الذي أمرت بإنذاركم به ما هو؟ وكيف هو؟ ومتى هو؟ ولا قدرة لي عليه.
وقوله : « وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ » إضراب عما يدل عليه الكلام من نفيه العلم عن نفسه ، والمعنى : لا علم لي بما تستعجلون به من العذاب ولكني أراكم قوما