قوله تعالى : « وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ » وذلك أنه تعالى جازاهم بأعمالهم لكنهم ظلموا أنفسهم حيث أوردوها بأعمالهم مورد الشقوة والهلكة.
قوله تعالى : « وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ » مالك هو الملك الخازن للنار على ما وردت به الأخبار من طرق العامة والخاصة.
وخطابهم مالكا بما يسألونه من الله سبحانه لكونهم محجوبين عنه كما قال تعالى : « كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ » المطففين : ١٥ ، وقال : « قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ » المؤمنون : ١٠٨.
فالمعنى : أنهم يسألون مالكا أن يسأل الله أن يقضي عليهم.
والمراد بالقضاء عليهم إماتتهم ، ويريدون بالموت الانعدام والبطلان لينجوا بذلك عما هم فيه من الشقوة وأليم العذاب ، وهذا من ظهور ملكاتهم الدنيوية فإنهم كانوا يرون في الدنيا أن الموت انعدام وفوت لا انتقال من دار إلى دار فيسألون الموت بالمعنى الذي ارتكز في نفوسهم وإلا فهم قد ماتوا وشاهدوا ما هي حقيقته.
وقوله : « قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ » أي فيما أنتم فيه من الحياة الشقية والعذاب الأليم ، والقائل هو مالك جوابا عن مسألتهم.
قوله تعالى : « لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ » ظاهره أنه من تمام كلام مالك يقوله عن لسان الملائكة وهو منهم ، وقيل : من كلامه تعالى ويبعده أنهم محجوبون يومئذ عن ربهم لا يكلمهم الله تعالى.
والخطاب لأهل النار بما أنهم بشر ، فالمعنى : لقد جئناكم معشر البشر بالحق ولكن أكثركم وهم المجرمون كارهون للحق.
وقيل : المراد بالحق مطلق الحق أي حق كان فهم يكرهونه وينفرون منه وأما الحق المعهود الذي هو التوحيد أو القرآن فكلهم كارهون له مشمئزون منه.
والمراد بكراهتهم للحق الكراهة بحسب الطبع الثاني المكتسب بالمعاصي والذنوب لا بحسب الطبع الأول الذي هو الفطرة التي فطر الناس عليها إذ لو كرهوه بحسبها لم يكلفوا بقبوله ، قال تعالى : « لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ » الروم : ٣٠ ، وقال : « وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها » الشمس : ٨.
ويظهر من الآية أن الملاك في السعادة والشقاء قبول الحق ورده.