لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي » الفرقان : ٢٩ ، وأما الأخلاء من المتقين فإن مخالتهم تتأكد وتنفعهم يومئذ.
وفي الخبر النبوي : إذا كان يوم القيامة انقطعت الأرحام وقلت الأنساب ـ وذهبت الأخوة إلا الأخوة في الله ـ وذلك قوله : « الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) (١).
قوله تعالى : « يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ » من خطابه تعالى لهم يوم القيامة كما يشهد به قوله بعد : « ادْخُلُوا الْجَنَّةَ » إلخ ، وفي الخطاب تأمين لهم من كل مكروه محتمل أو مقطوع به فإن مورد الخوف المكروه المحتمل ومورد الحزن المكروه المقطوع به فإذا ارتفعا ارتفعا.
قوله تعالى : « الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ » الموصول بدل من المنادي المضاف في « يا عِبادِ » أو صفة له ، والآيات كل ما يدل عليه تعالى من نبي وكتاب وأي آية أخرى دالة ، والمراد بالإسلام التسليم لإرادة الله وأمره.
قوله تعالى : « ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ » ظاهر الأمر بدخول الجنة أن المراد بالأزواج هي النساء المؤمنات في الدنيا دون الحور العين لأنهن في الجنة غير خارجات منها.
والحبور ـ على ما قيل ـ السرور الذي يظهر أثره وحباره في الوجه والحبرة الزينة وحسن الهيئة ، والمعنى : ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم المؤمنات والحال أنكم تسرون سرورا يظهر أثره في وجوهكم أو تزينون بأحسن زينة.
قوله تعالى : « يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ » إلخ الصحاف جمع صحفة وهي القصعة أو أصغر منها ، والأكواب جمع كوب وهو كوز لا عروة له ، وفي ذكر الصحاف والأكواب إشارة إلى تنعمهم بالطعام والشراب.
وفي الالتفات إلى الغيبة في قوله : « يُطافُ عَلَيْهِمْ » بين الخطابين « ادْخُلُوا الْجَنَّةَ » و « أَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ » تفخيم لإكرامهم وإنعامهم أن ذلك بحيث ينبغي أن يذكر
__________________
(١) رواه في الدر المنثور في الآية عن سعد بن معاذ.