قوله تعالى : « حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ » « حَتَّى » غاية لاستمرار الفعل الذي يدل عليه قوله في الآية السابقة : « لَيَصُدُّونَهُمْ » وقوله : « يَحْسَبُونَ » أي لا يزال القرناء يصدونهم ولا يزالون يحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا الواحد منهم.
والمراد بالمجيء إليه تعالى البعث ، وضمير « جاء » و « قال » راجع إلى الموصول باعتبار لفظه ، والمراد بالمشرقين المشرق والمغرب غلب فيه جانب المشرق.
والمعنى : وأنهم يستمرون على صدهم عن السبيل ويستمر العاشون عن الذكر على حسبان أنهم مهتدون في انصدادهم حتى إذا حضر الواحد منهم عندنا ومعه قرينه وكشف له عن ضلاله وما يستتبعه من العذاب الأليم ، قال مخاطبا لقرينه متأذيا من صحابته : يا ليت بيني وبينك بعد المشرق والمغرب فبئس القرين أنت.
ويستفاد من السياق أنهم معذبون بصحابة القرناء وراء عذابهم بالنار ، ولذا يتمنون التباعد عنهم ويخصونه بالذكر وينسون سائر العذاب.
قوله تعالى : « وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ » الظاهر أنه معطوف على ما قبله من وصف حالهم ، والمراد باليوم يوم القيامة ، وقوله : « أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ » فاعل « لَنْ يَنْفَعَكُمُ » والمراد بضمير جمع المخاطب العاشون عن الذكر وقرناؤهم ، و « إِذْ ظَلَمْتُمْ » واقع موقع التعليل.
والمراد ـ والله أعلم ـ أنكم إذا أساء بعضكم إلى بعض في الدنيا فأوقعه في مصيبة ربما تسليتم بعض التسلي لو ابتلي هو نفسه بمثل ما ابتلاكم به فينفعكم ذلك تسليا وتشفيا لكن لا ينفعكم يوم القيامة اشتراك قرنائكم معكم في العذاب فإن اشتراكهم معكم في العذاب وكونهم معكم في النار هو بعينه عذاب لكم.
وذكر بعض المفسرين أن فاعل « لَنْ يَنْفَعَكُمُ » ضمير راجع إلى تمنيهم المذكور في الآية السابقة ، وقوله : « إِذْ ظَلَمْتُمْ » أي لأجل ظلمكم أنفسكم في الدنيا باتباعكم إياهم في الكفر والمعاصي ، وقوله : « أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ » تعليل لنفي النفع والمعنى : ولن ينفعكم تمني التباعد عنكم لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب.
وفيه أن فيه تدافعا فإنه أخذ قوله : « إِذْ ظَلَمْتُمْ » تعليلا لنفي نفع التمني أولا