الإلزام في الحجة بأهون ما يفرض وأيسره ليظهر بطلان مدعى الخصم أتم الظهور كأنه قيل : لو كان غيره تعالى إله يدبر أمر العالم فإن جعل الله الليل سرمدا فليقدر أن يأتي بالنهار ، تنزلنا عن ذلك فليقدر أن يأتي بضياء ما تستضيئون به لكن لا قدرة لشيء على ذلك إن القدرة كلها لله سبحانه.
ولا يجري نظير هذا الوجه في الآية التالية في الليل حتى يصح أن يقال مثلا : من إله غير الله يأتيكم بظلمة لأن المأتي به إن كان ظلمة ما لم تكف للسكن وإن كان ظلمة ممتدة كانت هي الليل.
وتنكير « بِضِياءٍ » يؤيد ما ذكر من الوجه ، وقد أوردوا وجوها أخرى في ذلك لا تخلو من تعسف.
وقوله : « أَفَلا تَسْمَعُونَ » أي سمع تفهم وتفكر حتى تتفكروا فتفهموا أن لا إله غيره تعالى.
قوله تعالى : « قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ » أي تستريحون فيه مما أصابكم من تعب السعي للمعاش.
وقوله : « أَفَلا تُبْصِرُونَ » أي إبصار تفهم وتذكر وإذ لم يبصروا ولم يسمعوا فهم عمي صم ، ومن اللطيف تذييل الآيتين بقوله : « أَفَلا تَسْمَعُونَ » « أَفَلا تُبْصِرُونَ » ولعل آية النهار خص بالإبصار لمناسبة ضوء النهار الإبصار وبقي السمع لآية الليل وهو لا يخلو من مناسبة معه.
قوله تعالى : « وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » الآية بمنزلة نتيجة الحجة المذكورة في الآيتين السابقتين سيقت بعد إبطال دعوى الخصم في صورة الإخبار الابتدائي لثبوته من غير معارض.
وقوله : « لِتَسْكُنُوا فِيهِ » اللام للتعليل والضمير لليل ، أي جعل لكم الليل لتستريحوا فيه ، وقوله : « لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ » أي وجعل لكم النهار لتطلبوا من رزقه الذي هو عطيته فرجوع « لِتَسْكُنُوا » و « لِتَبْتَغُوا » إلى الليل والنهار بطريق اللف والنشر المرتب ، وقوله : « وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » راجع إليهما جميعا.