وستة من الأنصار نقطع أربعين ذراعا ، فحفرنا حتى إذا بلغنا الثرى ـ أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مدورة ـ فكسرت حديدنا وشقت علينا ـ فقلنا : يا سلمان ارق إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخبره عن الصخرة ، فأما أن نعدل عنها فإن المعدل قريب ـ وإما أن يأمرنا فيه بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه ، فرقي سلمان حتى أتى رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو مضروب عليه قبة ـ فقال : يا رسول الله ـ خرجت صخرة بيضاء من الخندق مدورة فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يحك فيها قليل ولا كثير ـ فمرنا فيها بأمرك فهبط رسول الله صلىاللهعليهوآله مع سلمان في الخندق ـ وأخذ المعول وضرب بها ضربة ـ فلمعت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها يعني لابتي المدينة ـ حتى لكان مصباحا في جوف ليل مظلم فكبر رسول الله صلىاللهعليهوآله تكبيرة ـ فتح فكبر المسلمون ـ ثم ضرب ضربة أخرى فلمعت برقة أخرى ـ ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى.
فقال سلمان : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا الذي أرى؟ فقال : أما الأولى فإن الله عز وجل فتح علي بها اليمن ـ وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق ـ فاستبشر المسلمون بذلك وقالوا : الحمد لله موعد صادق. قال : وطلعت الأحزاب فقال المؤمنون : هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ، وقال المنافقون : ألا تعجبون؟ يحدثكم ويعدكم الباطل ـ ويخبركم أنه يبصر في يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى ـ وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق ـ ولا تستطيعون أن تبرزوا.(١)
ومما ظهر فيه أيضا من آيات النبوة ما رواه أبو عبد الله الحافظ بالإسناد عن عبد الواحد بن أيمن المخزومي قال حدثني ، أيمن المخزومي قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : كنا يوم الخندق نحفر الخندق فعرضت فيه كدية وهي الجبل ـ فقلنا : يا رسول الله إن كدية عرضت فيه ـ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله رشوا عليها ماء ـ ثم قام وأتاها وبطنه معصوب الحجر (٢) من الجوع ـ فأخذ المعول أو المسحاة فسمى ثلاثا ـ ثم ضرب فعادت كثيبا (٣)
__________________
(١) أي تقضوا حاجتكم بالتخلي.
(٢) الحجر حضن الإنسان وهو ما دون الإبط إلى الكشح.
(٣) أي تلا من الرمل.