فلما بلغ حارثة
بن شراحيل الكلبي خبر ولده زيد قدم مكة ـ وكان رجلا جليلا فأتى أبا طالب ـ فقال :
يا أبا طالب إن ابني وقع عليه السبي ـ وبلغني أنه صار إلى ابن أخيك ـ تسأله إما أن
يبيعه وإما أن يفاديه وإما أن يعتقه.
فكلم أبو طالب
رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال رسول الله : هو حر فليذهب حيث شاء فقام حارثة فأخذ
بيد زيد ـ فقال له : يا بني الحق بشرفك وحسبك ، فقال زيد : لست أفارق رسول الله ،
فقال له أبوه : فتدع حسبك ونسبك ـ وتكون عبدا لقريش؟ فقال زيد : لست أفارق رسول
الله ما دمت حيا ، فغضب أبوه فقال : يا معشر قريش اشهدوا أني قد برئت منه وليس هو
ابني ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : اشهدوا أن زيدا ابني أرثه ويرثني. فكان زيد يدعى ابن
محمد ـ وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يحبه وسماه زيد الحب.
فلما هاجر رسول
الله صلىاللهعليهوآله إلى المدينة ـ زوجه زينب بنت جحش ـ وأبطأ عنه يوما فأتى
رسول الله منزله يسأل عنه ـ فإذا زينب جالسة وسط حجرتها يستحق طيبها بفهر لها ـ فدفع
رسول الله الباب ونظر إليها وكانت جميلة حسنة ـ فقال : سبحان الله رب النور وتبارك
الله أحسن الخالقين ، ثم رجع رسول الله إلى منزله ـ ووقعت زينب في قلبه موقعا
عجيبا.
وجاء زيد إلى
منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله ـ فقال لها زيد : هل لك أن أطلقك حتى يتزوج
بك رسول الله؟ فقالت : أخشى أن تطلقني ولا يتزوجني رسول الله. فجاء زيد إلى رسول
الله فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله أخبرتني زينب بكذا وكذا ـ فهل لك أن
أطلقها حتى تتزوجها؟ فقال له رسول الله : لا اذهب ـ واتق الله وأمسك عليك زوجك ،
ثم حكى الله فقال : « أَمْسِكْ
عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ ـ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ
وَتَخْشَى النَّاسَ ـ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ـ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ
مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها ـ إلى قوله ـ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً » فزوجه الله من فوق عرشه.
فقال المنافقون
: يحرم علينا نساء أبنائنا ويزوج امرأة ابنه زيد ـ فأنزل الله في هذا « وَما جَعَلَ
أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ـ إلى قوله ـ يَهْدِي السَّبِيلَ ».
أقول : وروى قريبا منه مع اختلاف ما في الدر المنثور ، عن
ابن مردويه عن ابن عباس.