قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا » إلى آخر الآية إن كانت الآية نازلة في جملة آيات الإفك ومتصلة بما تقدمها وموردها الرمي بالزنا بغير بينة كان مضمونها تهديد الرامين المفيضين في الإفك لكونه فاحشة وإشاعته في المؤمنين حبا منهم لشيوع الفاحشة.
فالمراد بالفاحشة مطلق الفحشاء كالزنا والقذف وغير ذلك. وحب شيوعها ومنها القذف في المؤمنين يستوجب عذابا أليما لمحبيه في الدنيا والآخرة.
وعلى هذا فلا موجب لحمل العذاب في الدنيا على الحد إذ حب شيوع الفحشاء ليس مما يوجب الحد ، نعم لو كان اللام في « الْفاحِشَةُ » للعهد والمراد بها القذف وكان حب الشيوع كناية عن قصة الشيوع بالإفاضه والتلقي بالألسن والنقل أمكن حمل العذاب على الحد لكن السياق لا يساعد عليه.
على أن الرمي بمجرد تحققه مرة موجب للحد ولا موجب لتقييده بقصد الشيوع ولا نكتة تستدعي ذلك.
وقوله : « وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » تأكيد وإعظام لما فيه من سخط الله وغضبه وإن جهله الناس.
قوله تعالى : « وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ » تكرارا للامتنان ومعناه ظاهر.
قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ » تقدم تفسير الآية في الآية ٢٠٨ من سورة البقرة في الجزء الثاني من الكتاب.
قوله تعالى : « وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً » إلى آخر الآية. رجوع بعد رجوع إلى الامتنان بالفضل والرحمة ، لا يخلو هذا الاهتمام من تأييد لكون الإفك متعلق بالنبي صلىاللهعليهوآله وليس إلا لكرامته على الله سبحانه.
وقد صرح في هذه المرة الثالثة بجواب لو لا وهو قوله : « ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً » وهذا مما يدل عليه العقل فإن مفيض الخير والسعادة هو الله سبحانه ، والتعليم القرآني أيضا يعطيه كما قال تعالى : « بِيَدِكَ الْخَيْرُ » آل عمران : ٢٦ ، وقال : « ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ » النساء : ٧٩.
وقوله : « وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » إضراب عما تقدمه فهو تعالى يزكي من يشاء فالأمر إلى مشيته ، ولا يشاء إلا تزكية من استعد لها وسأله بلسان استعداده