قوله تعالى : « فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ » الاستفهام في معنى الطلب ، وقد قالوا : « إِنْ كُنَّا » ولم يقولوا ، إذا كنا نحن الغالبين ليفيد القطع بالغلبة كما يفيده قولهم بعد : « بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ » بل ألقوه في صورة الشك ليكون أدعى لفرعون إلى جعل الأجر.
وقد أثر ذلك أثره حيث جعل لهم أجرا وزاد عليه الوعد بجعلهم من المقربين.
قوله تعالى : « قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ـ إلى قوله ـ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ » الحبال جمع حبل ، والعصي جمع عصا ، واللقف الابتلاع بسرعة ، وما يأفكون من الإفك بمعنى صرف الشيء عن وجهه سمي السحر إفكا لأن فيه صرف الشيء عن صورته الواقعية إلى صورة خيالية ، ومعنى الآيات ظاهر.
قوله تعالى : « فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ » يريد أن السحرة لما رأوا ما رأوا من الآيات الباهرة بهرهم وأدهشهم ذلك فلم يتمالكوا أنفسهم دون أن خروا على الأرض ساجدين لله سبحانه فاستعير الإلقاء لخرورهم على الأرض للدلالة على عدم تمالك أنفسهم كأنهم قد طرحوا على الأرض طرحا.
وقوله : « قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ » فيه إيمان بالله سبحانه إيمان توحيد لما تقدم أن الاعتراف بكونه تعالى رب العالمين لا يتم إلا مع التوحيد ونفي الآلهة من دونه.
وقوله : « رَبِّ مُوسى وَهارُونَ » فيه إشارة إلى الإيمان بالرسالة مضافا إلى التوحيد.
قوله تعالى : « قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ » إلى آخر الآية ، القائل فرعون ، والمراد بقوله : « آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ » آمنتم من دون إذن مني كما في قوله تعالى : « لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي » وليس مفاده أن الإذن كان ممكنا أو متوقعا منه كما قيل.
وقوله : « إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ » بهتان آخر يبهت به موسى عليهالسلام ليصرف به قلوب قومه وخاصة ملإهم عنه.