وقوله : « وَزادَهُمْ نُفُوراً » معطوف على جواب إذا والمعنى : وإذا قيل لهم اسجدوا استكبروا وزادهم ذلك نفورا ففاعل ( زادَهُمْ ) ضمير راجع إلى القول المفهوم من سابق الكلام.
وقول بعضهم : إن الفاعل ضمير راجع إلى السجود بناء على ما رووا أنه صلىاللهعليهوآله وأصحابه سجدوا فتباعدوا عنهم مستهزءين ليس بسديد فإن وقوع واقعة ما لا يؤثر في دلالة اللفظ ما لم يتعرض له لفظا. ولا تعرض في الآية لهذه القصة أصلا.
قوله تعالى : « تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً » الظاهر أن المراد بالبروج منازل الشمس والقمر من السماء أو الكواكب التي عليها كما تقدم في قوله : « وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ » الحجر : ١٧ ، وإنما خصت بالذكر في الآية للإشارة إلى الحفظ والرجم المذكورين.
والمراد بالسراج الشمس بدليل قوله : « وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً » نوح : ١٦.
وقد قرروا الآية أنها احتجاج بوحدة التدبير العجيب السماوي والأرضي على وحدة المدبر فيجب التوجه بالعبادات إليه وصرف الوجه عن غيره.
والتدبر في اتصال الآيتين بما قبلهما وسياق الآيات لا يساعد عليه لأن مضمون الآية السابقة من استكبارهم على الرحمن إذا أمروا بالسجود له واستهزائهم بالرسول لا نسبة كافية بينه وبين الاحتجاج على توحيد الربوبية حتى يعقب به ، وإنما المناسب لهذا المعنى إظهار العزة والغنى وأنهم غير معجزين لله بفعالهم هذا ولا خارجين عن ملكه وسلطانه.
والذي يعطيه التدبر أن قوله : « تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً » إلخ ، مسوق سوق التعزز والاستغناء ، وأنهم غير معجزين باستكبارهم على الله واستهزائهم بالرسول بل هؤلاء ممنوعون عن الاقتراب من حضرة قربه والصعود إلى سماء جواره والمعارف الإلهية مضيئة مع ذلك لأهله وعباده بما نورها الله سبحانه بنور هدايته وهو نور الرسالة.