تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً» المزمل : ١٩ ، الدهر : ٢٩ ، وقال : « قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ » ص : ٨٧.
وقوله : « إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً » استثناء منقطع في معنى المتصل فإنه في معنى إلا أن يتخذ إلى ربه سبيلا من شاء ذلك على حد قوله تعالى : « يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » الشعراء : ٨٩ ، أي إلا أن يأتي الله بقلب سليم من أتاه به.
ففيه وضع الفاعل وهو من اتخذ السبيل موضع فعله وهو اتخاذ السبيل شكرا له ففي الكلام عد اتخاذهم سبيلا إلى الله سبحانه باستجابة الدعوة أجرا لنفسه ففيه تلويح إلى نهاية استغنائه عن أجر مالي أو جاهي منهم ، وأنه لا يريد منهم وراء استجابتهم للدعوة واتباعهم للحق شيئا آخر من مال أو جاه أو أي أجر مفروض فليطيبوا نفسا ولا يتهموه في نصيحته.
وقد علق اتخاذ السبيل على مشيتهم للدلالة على حريتهم الكاملة عن قبله صلىاللهعليهوآله فلا إكراه ولا إجبار إذ لا وظيفة له عن قبل ربه وراء التبشير والإنذار وليس عليهم بوكيل بل الأمر إلى الله يحكم فيهم ما يشاء.
فقوله : « قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ » إلخ بعد ما سجل لنبيه صلىاللهعليهوآله أن ليس له إلا الرسالة بالتبشير والإنذار يأمره أن يبلغهم أن لا بغية له في دعوتهم إلا أن يستجيبوا له ويتخذوا إلى ربهم سبيلا من غير غرض زائد من الأجر أيا ما كان ، وأن لهم الخيرة في أمرهم من غير أي إجبار وإكراه فهم والدعوة إن شاءوا فليؤمنوا وإن شاءوا فليكفروا.
هذا ما يرجع إليه صلىاللهعليهوآله وهو تبليغ الرسالة فحسب من غير طمع في أجر ولا تحميل عليهم بإكراه أو انتقام منهم بنكال ، وأما ما وراء ذلك فهو لله فليرجعه إليه وليتوكل عليه كما أشار إليه في الآية التالية : « وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ».
وذكر جمهور المفسرين أن الاستثناء منقطع ، والمعنى لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا أي بالإنفاق القائم مقام الأجر كالصدقة والإنفاق في سبيل الله فليفعل ، وهو ضعيف لا دليل عليه لا من جهة لفظ الجملة ولا من جهة السياق.