أوردوه من القدح في القرآن هذا ، والمفسرون فرقوا بين مضامين الآيات الثلاث فجعلوا قوله : « كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ » جوابا عن قولهم : « لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً » ، وقوله : « وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً » خبرا عن ترسيله في النزول أو في القراءة على النبي صلىاللهعليهوآله من غير ارتباط بما تقدمه.
وجعلوا قوله : « وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ » إلخ ، كالبيان لقوله : « كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ » وإيضاحا لكيفية تثبيت فؤاده صلىاللهعليهوآله ، وجعله بعضهم ناظرا إلى خصوص المثل الذي ضربوه للنبي صلىاللهعليهوآله ، وأن الله بين الحق فيه وجاء بأحسن التفسير وقيل غير ذلك ، وجعلوا قوله : « الَّذِينَ يُحْشَرُونَ » الآية أجنبيا عن غرض الآيتين السابقتين بالكلية.
والتأمل فيما قدمناه في توجيه مضمون الآيتين الأوليين وما سيأتي من معنى الآية الثالثة يوضح فساد جميع ذلك ، ويظهر أن الآيات الثلاث جميعا ذات غرض واحد وهو الجواب عما أوردوه من الطعن في القرآن من جهة نزوله التدريجي.
وذكروا أيضا أن الجواب عن قدحهم واقتراحهم بقوله : « كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ » جواب بذكر بعض ما لتفريق النزول من الفوائد وأن هناك فوائد أخرى غير ما ذكره الله تعالى ، وقد أوردوا فوائد أخرى أضافوها إلى ما وقع في الآية :
منها : أن الكتب السماوية السابقة على القرآن إنما أنزلت جملة واحدة لأنها أنزلت على أنبياء يكتبون ويقرءون فنزلت عليهم جملة واحدة مكتوبة والقرآن إنما نزل على نبي أمي لا يكتب ولا يقرأ ولذلك نزل متفرقا.
ومنها أن الكتب المتقدمة لم يكن شاهد صحتها ودليل كونها من عند الله تعالى إعجازها ، وأما القرآن فبينة صحته وآية كونه من عند الله تعالى نظمه المعجز الباقي على مر الدهور المتحقق في كل جزء من أجزائه المقدر بمقدار أقصر السور حسبما وقع به التحدي.
ولا ريب أن مدار الإعجاز هو المطابقة لما تقتضيه الأحوال ، ومن ضرورة تجددها تجدد ما يطابقها.