قوله تعالى : « يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً » تتمة تمني الظالم النادم على ظلمه ، وفلان كناية عن العلم المذكر وفلانة عن العلم المؤنث قال الراغب : فلان وفلانة كنايتان عن الإنسان والفلان والفلانة ـ باللام ـ كنايتان عن الحيوانات. انتهى.
والمعنى : يا ويلتي ـ يا هلاكي ـ ليتني لم أتخذ فلانا ـ وهو من اتخذه صديقا يشاوره ويسمع منه ويقلده ـ خليلا.
وذكر بعضهم : أن فلانا في الآية كناية عن الشيطان ، وكأنه نظرا إلى ما في الآية التالية من حديث خذلان الشيطان للإنسان غير أن السياق لا يساعد عليه.
ومن لطيف التعبير قوله في الآية السابقة : « يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ » إلخ وفي هذه الآية : « يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ » إلخ فإن في ذلك تدرجا لطيفا في النداء والاستغاثة فحذف المنادي في الآية السابقة يلوح إلى أنه يريد أي منج ينجيه مما هو فيه من الشقاء وذكر الويل بعد ذلك ـ في هذه الآية يدل على أنه بان له أن لا يخلصه من العذاب شيء قط إلا الهلاك والفناء ، ولذلك نادى الويل.
قوله تعالى : « لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً » تعليل للتمني السابق والمراد بالذكر مطلق ما جاءت به الرسل أو خصوص الكتب السماوية وينطبق بحسب المورد على القرآن.
وقوله : « وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً » من كلامه تعالى ويمكن أن يكون تتمة لكلام الظالم ذكره تأسفا وتحسرا.
والخذلان بضم الخاء ترك من يظن به أن ينصر نصرته ، وخذلانه أنه يعد الإنسان أن ينصره على كل مكروه إن تمسك بالأسباب ونسي ربه فلما تقطعت الأسباب بظهور القهر الإلهي يوم الموت جزئيا ويوم القيامة كليا خذله وسلمه إلى الشقاء ، قال تعالى : « كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ » الحشر : ١٦ وقال فيما يحكي عن الشيطان يوم القيامة : « ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ » إبراهيم : ٢٢.
وفي هذه الآيات الثلاث إشعار بل دلالة على أن السبب العمدة في ضلال أهل الضلال ولاية أهل الأهواء وأولياء الشيطان ، والمشاهدة يؤيد ذلك.