نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ » الحجر : ٨ وسيجيء تقريره ، وفي الآيات إشارة إلى ما بعد الموت ويوم القيامة.
قوله تعالى : « وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً » قال في مجمع البيان : ، الرجاء ترقب الخير الذي يقوى في النفس وقوعه ومثله الطمع والأمل ، واللقاء المصير إلى الشيء من غير حائل ، والعتو الخروج إلى أفحش الظلم. انتهى.
المراد باللقاء الرجوع إلى الله يوم القيامة سمي به لبروزهم إليه تعالى بحيث لا يبقى في البين حائل جهل أو غفلة لظهور العظمة الإلهية كما قال تعالى : « وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ».
فالمراد بعدم رجائهم اللقاء إنكارهم للمعاد وتكذيبهم بالساعة ولم يعبر عنه بتكذيب الساعة ونحوه كما عبر في الآيات السابقة لمكان ذكرهم مشاهدة الملائكة ورؤية الرب تعالى وتقدس ففيه إشارة إلى أنهم إنما قالوا ما قالوا وطلبوا إنزال الملائكة أو رؤية الرب ليأسهم من اللقاء وزعمهم استحالة ذلك فقد ألزموا بما هو مستحيل على زعمهم.
فقولهم : « لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا » اعتراض منهم على رسالة الرسول أوردوه في صورة التحضيض كقولهم في موضع آخر : « لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ » الحجر : ٧ ، وتقرير الحجة كما تقدمت الإشارة إليه أنه لو كانت الرسالة ـ وهي نزول الملائكة بالوحي أو تكليمه تعالى البشر بالمشافهة ـ مما يتيسر للبشر نيله ونحن بشر أمثال هذا المدعي للرسالة فما بالنا لا ينزل علينا الملائكة ولا نرى ربنا؟ فهلا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا.
ويؤيد ما ذكرناه من التقرير إطلاق إنزال الملائكة ورؤية الرب من غير أن يقولوا : لو لا أنزل علينا الملائكة فيصدقوك أو نرى ربنا فيصدقك. على أنهم ذكروا في اعتراضهم السابق نزول الملك ليكون معه نذيرا وفيه تصديقه.
وفي التعبير عنه تعالى بلفظ ربنا نوع تهكم منهم فإن المشركين ما كانوا يرونه تعالى ربا لهم بل كان عندهم أن أربابهم ما كانوا يعبدونهم والله سبحانه رب الأرباب