كيف؟ وقد قال تعالى : « يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي » الفجر : ٢٧ ـ ٣٠ فهم راضون بما رضي به الله ومرضيون لا يريدون إلا ما يرتضيه فلا يريدون معصية ولا قبيحا ولا شنيعا ولا لغوا ولا كذابا ، ولا يريدون ما لا يرتضيه غيرهم من أهل الجنة ، ولا يريدون ارتفاع العذاب ممن يريد ربهم عذابه ، ولا يشاءون ولا يتمنون مقام من هو أرفع درجة منهم لأن الذي خصهم بها هو ربهم وقد رضوا بما فعل وأحبوا ما أحبه.
وقوله تعالى : « كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً » أي كان هذا الوعد الذي وعده المتقون وعدا على ربك يجب عليه أن يفي به ، وإنما أوجبه هو تعالى على نفسه حيث قضى بذلك أول يوم ، وأخبر عن ذلك بمثل قوله : « وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ ـ إلى أن قال ـ هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ » ـ ص : ٥٣.
ووجه اتصاف هذا الوعد بكونه مسئولا أن المتقين سألوا ربهم ذلك بلسان حالهم واستعدادهم ، أو سألوه ذلك في دعائم ، أو الملائكة سألوا ذلك كما فيما يحكيه الله عنهم : « رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ » الخ : المؤمن : ٨ أو جميع هذه الأسئلة.
وذكر الطبرسي « ره » في الآية أن قوله : « كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً » حال من ضمير الجنة المقدر في « وُعِدَ الْمُتَّقُونَ » وأن قوله : « لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ » حال من « الْمُتَّقُونَ » وهو أقرب إلى الذهن من قول غيره إن الجملتين استينافان في موضع التعليل كالجواب لسؤال مقدر.
قوله تعالى : « وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ » إلى آخر الآية ضمائر الجمع الأربعة عائدة إلى الكفار ، والمراد بما يعبدون الملائكة والمعبودون من البشر والأصنام إن كان « ما » أعم من غير أولي العقل ، وإلا فالأصنام فقط.
والمشار إليهم المعنيون بقوله : « عِبادِي هؤُلاءِ » الكفار ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى : « قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ » إلخ ، جواب المعبودين عن قوله : « أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ » إلخ وقد بدءوا بالتسبيح على ما هو من أدب العبودية في موارد يذكر فيها شرك أهل الشرك أو ما يوهم ذلك بوجه.