قوله تعالى : « وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ » إلخ ، بيان حال بعض المنافقين حيث أظهروا الإيمان والطاعة أولا ثم تولوا ثانيا فالإيمان بالله هو العقد على توحيده وما شرع من الدين ، والإيمان بالرسول هو العقد على كونه رسولا مبعوثا من عند ربه أمره أمره ونهيه نهيه وحكمه حكمه من غير أن يكون له من الأمر شيء ، وطاعة الله هي تطبيق العمل بما شرعه ، وطاعة الرسول الايتمار والانتهاء عند أمره ونهيه وقبول ما حكم به وقضى عليه.
فالإيمان بالله وطاعته موردهما نفس الدين والتشرع به ، والإيمان بالرسول وطاعته موردهما ما أخبر به الرسول من الدين بما أنه يخبر به وما حكم به وقضى عليه في المنازعات والانقياد له في ذلك كله.
فبين الإيمانين والطاعتين فرق ما من حيث سعة المورد وضيقه ، ويشير إلى ذلك ما في العبارة من نوع من التفصيل حيث قيل : « آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ » فأشير إلى تعدد الإيمان والطاعة ولم يقل : آمنا بالله والرسول بحذف الباء ، والإيمانان مع ذلك متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر ، قال تعالى : « وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ » النساء : ١٥٠.
فقوله : « وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا » أي عقدنا القلوب على دين الله وتشرعنا به وعلى أن الرسول لا يخبر إلا بالحق ولا يحكم إلا بالحق.
وقوله : « ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ » أي ثم يعرض طائفة من هؤلاء القائلين : « آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا » عن مقتضى قولهم من بعد ما قالوا ذلك.
وقوله : « وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ » أي ليس أولئك القائلون بالمؤمنين ، والمشار إليه باسم الإشارة القائلون جميعا لا خصوص الفريق المتولين على ما يعطيه السياق لأن الكلام مسوق لذم الجميع.
قوله تعالى : « وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ » يشهد سياق الآية أن الآيات إنما نزلت في بعض من المنافقين دعوا إلى حكم النبي صلىاللهعليهوآله في منازعة وقعت بينه وبين غيره فأبى الرجوع إلى النبي صلىاللهعليهوآله وفي ذلك نزلت الآيات.