وقوله : « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا
غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ » خبر بعد خبر للمصباح أي المصباح يشتعل آخذا اشتعاله من
شجرة مباركة زيتونة أي إنه يشتعل من دهن زيت مأخوذ منها ، والمراد بكون الشجرة لا
شرقية ولا غربية أنها ليست نابتة في الجانب الشرقي ولا في الجانب الغربي حتى تقع
الشمس عليها في أحد طرفي النهار ويفيء الظل عليها في الطرف الآخر فلا تنضج ثمرتها
فلا يصفو الدهن المأخوذ منها فلا تجود الإضاءة بل هي ضاحية تأخذ من الشمس حظها طول
النهار فيجود دهنها لكمال نضج ثمرتها.
والدليل على
هذا المعنى قوله : « يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ » فإن ظاهر السياق أن المراد به صفاء الدهن وكمال
استعداده للاشتعال وأن ذلك متفرع على الوصفين : لا شرقية ولا غربية.
وأما قول بعضهم
: إن المراد بقوله : « لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » أنها ليست من شجر الدنيا حتى تنبت إما في شرق أو في
غرب ، وكذا قول آخرين : إن المراد أنها ليست من شجر شرق المعمورة ولا من شجر غربها
بل من شجر الشام الواقع بين الشرق والغرب وزيته أفضل الزيت فغير مفهوم من السياق.
وقوله : « نُورٌ عَلى نُورٍ » خبر لمبتدإ محذوف وهو ضمير راجع إلى نور الزجاجة المفهوم من السياق ،
والمعنى نور الزجاجة المذكور نور عظيم على نور كذلك أي في كمال التلمع.
والمراد من كون
النور على النور قيل : هو تضاعف النور لا تعدده فليس المراد به أنه نور معين أو
غير معين فوق نور آخر مثله ، ولا أنه مجموع نورين اثنين فقط بل أنه نور متضاعف من
غير تحديد لتضاعفه وهذا التعبير شائع في الكلام.
وهذا معنى لا
يخلو من جودة وإن كان إرادة التعدد أيضا لا تخلو من لطف ودقة فإن للنور الشارق من
المصباح نسبة إليه بالأصالة والحقيقة ونسبة إلى الزجاجة التي عليه بالاستعارة
والمجاز ، ويتغاير النور بتغاير النسبتين ويتعدد بتعددهما وإن لم يكن بحسب الحقيقة
إلا للمصباح والزجاجة صفر الكف منه فللزجاجة بالنظر إلى تعدد النسب نور غير نور
المصباح وهو قائم به ومستمد منه.