أقول : والرواية مروية بطرق أخرى عن عائشة أيضا وعن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي اليسر الأنصاري وأم رومان أم عائشة وغيرهم وفيها بعض الاختلاف.
وفيها إن الذين جاءوا بالإفك ـ عبد الله بن أبي بن سلول ومسطح بن أثاثة ـ وكان بدريا من السابقين الأولين من المهاجرين ، وحسان بن ثابت ، وحمنة أخت زينب زوج النبي صلىاللهعليهوآله.
وفيها أن النبي صلىاللهعليهوآله دعاهم بعد ما نزلت آيات الإفك ـ فحدهم جميعا غير أنه حد عبد الله بن أبي حدين ـ وإنما حده حدين ـ لأنه من قذف زوج النبي صلىاللهعليهوآله كان عليه حدان.
وفي الروايات على تقاربها في سرد القصة إشكال من وجوه :
أحدها : أن المسلم من سياقها أن النبي صلىاللهعليهوآله كان في ريب من أمر عائشة بعد تحقق الإفك كما يدل عليه تغير حاله بالنسبة إليها في المعاملة باللطف أيام اشتكائها وبعدها حتى نزلت الآيات ، ويدل عليه قولها له حين نزلت الآيات وبشرها به : بحمد الله لا بحمدك ، وفي بعض الروايات أنها قالت لأبيها وقد أرسله النبي صلىاللهعليهوآله ليبشرها بنزول العذر : بحمد الله لا بحمد صاحبك الذي أرسلك ، تريد به النبي صلىاللهعليهوآله ، وفي الرواية الأخرى عنها : أن النبي صلىاللهعليهوآله لما وعظها أن تتوب إلى الله إن كان منها شيء وفي الباب امرأة جالسة قالت له عائشة : أما تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئا ، ومن المعلوم أن هذا النوع من الخطاب المبني على الإهانة والإزراء ما كان يصدر عنها لو لا أنها وجدت النبي في ريب من أمرها. كل ذلك مضافا إلى التصريح به في رواية عمر ففيها : « فكان في قلب النبي صلىاللهعليهوآله مما قالوا ».
وبالجملة دلالة عامة الروايات على كون النبي صلىاللهعليهوآله في ريب من أمرها إلى نزول العذر مما لا ريب فيه ، وهذا مما يجل عنه مقامه صلىاللهعليهوآله كيف؟ وهو سبحانه يقول : « لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ » فيوبخ المؤمنين والمؤمنات على إساءتهم الظن وعدم ردهم ما سمعوه من الإفك فمن لوازم الإيمان حسن الظن بالمؤمنين ، والنبي صلىاللهعليهوآله أحق من يتصف بذلك ويتحرز من سوء الظن الذي من الإثم وله مقام النبوة والعصمة الإلهية.
على أنه تعالى ينص في كلامه على اتصافه صلىاللهعليهوآله بذلك إذ يقول : « وَمِنْهُمُ الَّذِينَ