فلم يمكنه ذلك حتى حرّك الدال لمّا كانت ساكنة لا يقع بعدها المشدَّد ، ثم أطلق كإطلاقه (عَيْهَلِّ) ونحوها. ويُرْوَى أيضا : «جَدْبَبَا». وذلك أنه أَراد تثقيل الباء ، والدالُ قبلها ساكنة فلم يمكن ذلك ، وكَرِه أيضا تحريك الدال لأن فى ذلك انتقاض الصيغة ، فأقرّها على سكونها ، وزاد بعد الباء باء أخرى مضعَّفة لإقامة الوزن ، فإن قلت : فهل تجد فى قوله «جَدْبَيّا» حُجَّة للنحويّين على أبى عثمان فى امتناعه مما أجازوه من بنائهم مثل «فرزدق» من ضرب ونحوه : ضرَبَّب ، واحتجاجه فى ذلك : لأنه لم يجد فى الكلام ثلاث لامات مترادفة على الاتّفاق ـ وقد قالوا : جَدْبَبّا كما ترى فجمع الراجز بين ثلاث لامات متّفقة ـ فالجواب أنه لا حجَّة على أبى عثمان للنحويين فى هذا من قِبَل أن هذا شىء عَرَض فى الوقف والوصل ثَمَّ مُزِيلُه : وما كانت هذه حاله لم يُحفَل به ولم يُتَّخذ أَصلا يقاس عليه غيرُه ، ألا ترى إلى إجماعهم على أنه ليس فى الكلام اسم آخره واو قبلها حركة ، ثم (لا يَفْسُد ذلك بقول) بعضهم فى الوقف : هذه أفَعَوْ ، وهو الكَلَوْ من حيث كان هذا بدلا جاء به الوقف وليس ثابتا فى الوصل الذى عليه المعتمَد والعمَل ، وإنما هذه الباء المشدَّدة فى (جَدْبَبّا) زائدة للوقف وغَيْرِ ضرورة الشعر ، ومثلها قول جَنْدل :
جارِيةٌ ليست من الوَخْشَنِ |
|
لا تلبَس المِنْطَق بالمتنَنّ |
إلّا ببَتٍّ واحدٍ بَتَّنّ |
|
كأن مَجْرَى دَمْعِهَا المستَنّ |
قُطْنُنَّة من أَجْودِ القُطْنُنِ (١) |
فكما زاد هذه النونات ضرورة كذلك زاد الباء فى «جَدْبَبّا» ضرورة ، ولا اعتداد فى الموضعين جميعا بهذا الحرف المضاعَف ، قال : وعلى هذا أَيضا عندى ما أنشده ابن الأعرابى من قول الراجز :
*لكن رَعَيْنَ القِنْع حيث ادهمّما* (٢)
__________________
(١) الرجز للعجاج فى ديوانه (١ / ٢٨٦ ـ ٢٨٨) ، (ما عدا الشطر الثانى والثالث) ؛ ولجندل فى لسان العرب (جدب) ، ولدهلب بن قريع أو لقارب بن سالم فى لسان العرب (قطن) ، ولدهلب بن قريع فى تاج العروس (قطن) ؛ لذهل بن قريع أو لقارب بن سالم المرى فى لسان العرب (طول) ؛ وبلا نسبة فى كتاب العين (٤ / ٢٨٤ ، ٥ / ١٠٣) ؛ ولسان العرب (توا) ؛ وجمهرة اللغة ص ٩٢٥ ، ١١٦٤ ؛ والمخصص (٤ / ٦٩) ؛ وتاج العروس (طول).
(٢) الرجز لمسافر العبسى فى لسان العرب (عرفط) ؛ وتهذيب اللغة (٣ / ٣٤٦) ؛ وبلا نسبة فى لسان العرب (جدب).=