في استناد إقامته الصلاة إلى الله سبحانه نظير الكلام في استناد إجنابه أن يعبد الأصنام فإن لإقامة الصلاة نسبة إليه تعالى بالإذن والمشية كما أن لها نسبة إلى العبد بالتصدي والعمل وقد مر الكلام فيه.
وهذه الفقرة ثاني دعاء يشترك فيه هو عليهالسلام وذريته ويعقب في الحقيقة قوله أولا : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ) كما يلحق به دعاؤه الثالث المشترك فيه : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ).
وقد أفرد نفسه في جميع الفقرات الثلاث عن غيره إذ قال : ( وَاجْنُبْنِي ) و ( اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ) ( اغْفِرْ لِي ) لأن مطلوبه لحوق ذريته به كما قال في موضع آخر : ( وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) الشعراء : ٨٤ وفي موضع آخر كما حكاه الله بقوله : ( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) البقرة : ١٢٤.
وأما قوله في الفقرة الأولى ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَ ) وهاهنا ( اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) فقد تقدم أن المراد ببنيه بعضهم لا جميعهم فتتطابق الفقرتان.
ومن تطابق الفقرتين أنه أكد دعاءه في هذه الفقرة بقوله : ( رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ ) فإن سؤال تقبل الدعاء إلحاح وإصرار وتأكيد كما أن التعليل في الفقرة الأولى ، بقوله : ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ ) تأكيد في الحقيقة لما فيها من الدعاء ، بقوله : ( وَاجْنُبْنِي ) إلخ.
قوله تعالى : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ ) ختم عليهالسلام دعاءه ـ وهو آخر ما ذكر من دعائه في القرآن الكريم كما تقدم ـ بطلب المغفرة للمؤمنين يوم القيامة ويشبه آخر ما دعا به نوح عليهالسلام مما ذكر في القرآن : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ) : نوح : ٢٨.
وفي الآية دليل على أنه عليهالسلام لم يكن ولد آزر المشرك لصلبه فإنه عليهالسلام ـ كما ترى ـ يستغفر لوالديه وهو على الكبر وفي آخر عهده ( وقد تبرأ من آزر في أوائل عهده بعد ما استغفر له عن موعدة وعده إياه قال تعالى : ( قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ) : مريم : ٤٧ ، وقال : ( وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ ) الشعراء : ٨٦ ،