بالإكراه الإجبار على كلمة الكفر والتظاهر به فإن القلب لا يقبل الإكراه والمراد أستثني من أكره على الكفر بعد الإيمان فكفر في الظاهر وقلبه مطمئن بالإيمان.
وقوله : ( وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً ) أي بسط صدره للكفر فقبله قبول رضى ووعاه ، والجملة استدراك من الاستثناء فيعود إلى معنى المستثنى منه فإن المعنى ما أريد بقولي : ( مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ ) من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن أريد به من شرح بالكفر صدرا ، وفي مجموع الاستثناء والاستدراك بيان كامل للشرط ، وهذه هي النكتة لاعتراض الاستثناء بين الشرط والجزاء وعدم تأخيره إلى أن تتم الشرطية.
وقيل : قوله : ( مَنْ كَفَرَ ) بدل من ( الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ ) في الآية السابقة ، وقوله : ( وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ ) جملة معترضة ، وقوله : ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ ) استثناء من ذلك وقوله : ( وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ ) مبتدأ خبره أو القائم مقام خبره قوله : ( فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ ).
والمعنى ـ على هذا ـ إنما يفتري الكذب الذين كفروا من بعد إيمانهم إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان وعند ذلك تم الكلام ثم بدأ فقال : ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله.
والذوق السليم يكفي مئونة هذا الوجه على ما به من السخافة.
قوله تعالى : ( ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) بيان لسبب حلول غضب الله بهم وثبوت العذاب العظيم عليهم وهو أنهم اختاروا الحياة الدنيا وهي الحياة المادية التي لا غاية لها إلا التمتع الحيواني والاشتغال بمشتهيات النفس على الآخرة التي هي حياة دائمة مؤبدة في جوار رب العالمين وهي غاية الحياة الإنسانية.
وبعبارة أخرى هؤلاء لم يريدوا إلا الدنيا وانقطعوا عن الآخرة وكفروا بها والله لا يهدي القوم الكافرين وإذ لم يهدهم الله ضلوا عن طريق السعادة والجنة والرضوان فوقعوا في غضب من الله وعذاب عظيم.
قوله تعالى : ( أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ