من بعد قوة أنكاثا ومحصل المعنى أنكم كمثلها إذ تتخذون أيمانكم دخلا بينكم فتؤكدونها وتعقدونها ثم تخونون وتخدعون بنقضها ونكثها والله ينهاكم عنه.
وذكر بعضهم أن قوله : ( تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ ) إلخ ، جملة استفهامية محذوفة الأداة والاستفهام للإنكار.
وقوله : ( إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ ) إلخ ، أي إن ذلك امتحان إلهي يمتحنكم به وأقسم ليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون فتعلمون عند ذلك ما حقيقة ما أنتم عليه اليوم من التكالب على الدنيا وسلوك سبيل الباطل لإماطة الحق ودحضه ويتبين لكم يومئذ من هو الضال ومن هو المهتدي.
قوله تعالى : ( وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) إلخ ، لما انجر الكلام إلى ذكر اختلافهم عقب ذلك ببيان أن اختلافهم ليس بناقض للغرض الإلهي في خلقهم ولا أنهم معجزون له سبحانه ولو شاء لجعلهم أمة واحدة لا اختلاف بينهم ولكن الله سبحانه جعلهم مختلفين بالهداية والإضلال فهدى قوما وأضل آخرين.
وذلك أنه تعالى وضع سعادة الإنسان وشقاءه على أساس الاختيار وعرفهم الطاعة المفضية إلى غاية السعادة والمعصية المؤدية إلى غاية الشقاء فمن سلك مسلك المعصية واجتاز للضلال جازاه الله ذلك ، ومن ركب سبيل الطاعة واختار الهدى جازاه الله ذلك وسيسألهم جميعا عما عملوا واختاروا.
وبما تقدم يظهر أن المراد بجعلهم أمة واحدة رفع الاختلاف من بينهم وحملهم على الهدى والسعادة ، وبالإضلال والهداية ما هو على سبيل المجازاة لا الضلال والهدى الابتدائيان فإن الجميع على هدى فطري فالذي يشاء الله ضلاله فيضله هو من اختار المعصية على الطاعة من غير رجوع ولا ندم ، والذي شاء الله هداه فهداه هو من بقي على هداه الفطري وجرى على الطاعة أو تاب ورجع عن المعصية صراطا مستقيما وسنة إلهية ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.
وأن قوله : ( وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) لدفع ما يسبق إلى الوهم أن استناد الضلال والهدى إليه سبحانه يبطل تأثير اختيارهم في ذلك وتبطل بذلك الرسالة وتلغو