وإن جميع ما فعله بهم إنما هو خذلان ونقمة لأنه سبحانه نص في هذه الآية على خلاف قولهم ، انتهى.
والحق أن للنعمة اعتبارين : أحدهما كونها نعمة أي ناعمة ملائمة لحال المنعم عليه من حيث كونه في صراط التكوين أي من حيث سعادته الجسمية ، والآخر من حيث وقوع المنعم عليه في صراط التشريع أي من حيث سعادته الروحية الإنسانية بأن تكون النعمة بحيث توجب معرفتها إيمانه بالله ورسوله واليوم الآخر واستعمالها في طريق مرضاة الله ، والمؤمن منعم بالنعمتين كلتيهما والكافر منعم في الدنيا بالطائفة الأولى محروم من الثانية ، وفي كلامه سبحانه شواهد كثيرة تشهد على ذلك.
قوله تعالى : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ) قال في المجمع قال الزجاج : والعتب الموجدة يقال : عتب عليه يعتب إذا وجد عليه فإذا فاوضه ما عتب عليه قالوا : عاتبه ، وإذا رجع إلى مسرته قيل : أعتب ، والاسم العتبي وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب ، واستعتبه طلب منه أن يعتب. انتهى.
وقوله : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ) يفيد السياق أن المراد بهذا اليوم يوم القيامة ، وبهؤلاء الشهداء الذين يبعث كل واحد منهم من أمة ، شهداء الأعمال الذين تحملوا حقائق أعمال أمتهم في الدنيا وهم يستشهد بهم ويشهدون عليهم يوم القيامة وقد تقدم بعض الكلام في معنى هذه الشهادة في تفسير قوله : ( لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) البقرة : ١٤٣ في الجزء الأول من الكتاب.
ولا دلالة في لفظ الآية على أن المراد بشهيد الأمة نبيها ، ولا أن المراد بالأمة أمة الرسول فمن الجائز أن يكون غير النبي من أمته كالإمام شهيدا كما يدل عليه آية البقرة السابقة وقوله تعالى : ( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ ) الزمر : ٦٩ ، وعلى هذا فالمراد بكل أمة أمة الشهيد المبعوث وأهل زمانه.
وقوله : ( ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ) ذكر بعث شهداء الأمم دليل على أنهم يشهدون على أممهم بما عملوا في الدنيا ، وقرينة على أن المراد من نفي الإذن للكافرين أنهم لا يؤذن لهم في الكلام وهو الاعتذار لا محالة ونفي الإذن في الكلام