بلغة الحبشة أو على ما نقل عن أبي عبيدة أن السكر المطعوم المتفكه به كالنقل وأنشد : ( جعلت أعراض الكرام سكرا ) ـ إلى أن قال ـ وإلى عدم النسخ ذهب الحنفيون وقالوا : المراد بالسكر ما لا يسكر من الأنبذة واستدلوا عليه بأن الله تعالى امتن على عباده بما خلق لهم من ذلك ، ولا يقع الامتنان إلا بمحلل فيكون ذلك دليلا على جواز شرب ما دون المسكر من النبيذ فإذا انتهى إلى السكر لم يجز انتهى موضع الحاجة.
أما ما ذكره في الخمر فقد فصلنا القول في ذلك في ذيل آيات التحريم من سورة المائدة ، وأقمنا الشواهد هناك على أن الخمر كانت محرمة قبل الهجرة وكان الإسلام معروفا بتحريمها وتحريم الزنا عند المشركين عامتهم ، وأن تحريمها نزل في سورة الأعراف وقد نزلت قبل سورة النحل قطعا ، وفي سورتي البقرة والنساء وقد نزلتا قبل سورة المائدة.
وأن التي نزلت في المائدة إنما نزلت لتشديد الحرمة وزجر بعض المسلمين حيث كانوا يتخلفون عن حكم التحريم كما وقع في الروايات وهو الذي يشير إليه بقوله : يشربها البر والفاجر وفي لفظ الآيات دلالة على ذلك إذ يقول : ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ).
وأما ما نقله عن ابن عباس أن السكر في لغة الحبشة بمعنى الخل فلا معول عليه ، واستعمال اللفظ غير العربي وإن كان غير عزيز في القرآن كما قيل في إستبرق وجهنم وزقوم وغيرها لكنه إنما يجوز فيما لم يكن هناك مانع من لبس أو إبهام ، وأما في مثل السكر وهو في اللغة العربية الخمر وفي الحبشية الخل فلا وكيف يجوز أن ينسب إلى أبلغ الكلام أنه ترك الخل وهو عربي جيد واستعمل مكانه لفظة حبشية تفيد في العربية ضد معناها؟
وأما ما نسبه إلى أبي عبيدة فقد تقدم ما عليه في أول الكلام فراجع.
وأما ما نسبه إلى الحنفية من أن المراد بالسكر النبيذ وأن الآية تدل على جواز شرب القليل منه ما لم يصل إلى حد الإسكار لمكان الامتنان ففيه أن الآية لا تدل على أكثر من أنهم يتخذون منه سكرا ، وأما الامتنان عليهم بذلك فبمعزل من دلالة الآية وإنما عد من النعم ثمرات النخيل والأعناب لا كل ما عملوا منها من حلال وحرام ولو كان في ذلك امتنان لم يقابله بالرزق الحسن الدال بمقابلته على نوع من العتاب على اتخاذهم منه سكرا كما اعترف به البيضاوي وغيره.