وكيف كان فقوله : ( لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) اللام للغاية وهي متعلقة بقوله : ( قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) وفي قوله : ( يُضِلُّونَهُمْ ) دلالة على أن حملهم لأوزار غيرهم إنما هو من جهة إضلالهم فيعود الإضلال غاية والحمل غاية الغاية ، والتقدير قالوا أساطير الأولين ليضلوهم وهم أنفسهم ضالون فيحملوا أوزار أنفسهم كاملة ومن أوزار أولئك الذين يضلونهم بغير علم.
وفي تقييد قوله : ( لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ ) بقوله ( كامِلَةً ) دفع لتوهم التقسيم والتبعيض بأن يحملوا بعضا من أوزار أنفسهم وبعضا من أوزار الذين يضلونهم فيعود الجميع أوزارا كاملة بل يحملون أوزار أنفسهم كاملة ثم من أوزار الذين يضلونهم.
وقوله : ( وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ ) من تبعيضية لأنهم لا يحملون جميع أوزارهم بل أوزارهم التي ترتبت على إضلالهم خاصة بشهادة السياق فالتبعيض إنما هو لتمييز الأوزار المترتبة على الإضلال من غيرها لا للدلالة على تبعيض كل وزر من أوزار الإضلال وحمل بعضه على هذا وبعضه على ذاك ولا تقسيم مجموع أوزار الإضلال وحمل قسم منه على هذا وقسم منه على ذاك مع تعريته عن القسم الآخر فإن أمثال قوله تعالى : ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) الزلزال : ٨ تنافي ذلك فافهم.
ومما تقدم يظهر وهن ما استفاده بعضهم من قوله : ( لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ ) أن مقتضاه أنه لم ينقص منها شيء ولم تكفر بنحو بلية تصيبهم في الدنيا أو طاعة مقبولة فيها كما تكفر بذلك أوزار المؤمنين.
وكذا ما استفاده بعض آخر أن في الآية دلالة على أنه تعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين إذ لو كان هذا المعنى حاصلا للكل لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفار به فائدة.
وجه الوهن أن ما ذكراه من خزي الكافرين وإكرام المؤمنين وإن كان حقا في نفسه كما تدل عليه الآيات الدالة على خزي الكفار بما يصيبهم في الدنيا وحبط أعمالهم وشمول المغفرة والشفاعة لطائفة من المؤمنين ، لكن هذه الآية ليست ناظرة إلى شيء من ذلك بل العناية فيها إنما هي بالفرق بين أوزار أنفسهم وأوزار غيرهم الذين أضلوهم وأن الطائفة الثانية يلحقهم بعضها وهي التي ترتبت من الأوزار على الإضلال بخلاف