فيه شكركم له المرجو منكم إذ هو من زيادته تعالى في النعمة فقد أغناكم بما أنعم عليكم في البر عن أن تتصرفوا في البحر بالغوص وإجراء السفن وغير ذلك لكنه تعالى زادكم بتسخير البحر لكم نعمة لعلكم تشكرونه على هذا الزائد فإن الإنسان قليلا ما يتنبه في الضروريات أنها نعمة موهوبة من لدنه سبحانه ولو شاء لقطعها وأما الزوائد النافعة فهي أقرب من هذا التنبه والانتقال.
قوله تعالى : ( وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) قال في المجمع : الميد الميل يمينا وشمالا وهو الاضطراب ماد يميد ميدا. انتهى.
وقوله : ( أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) أي كراهة أن تميد بكم أو أن لا تميد بكم والمراد أنه طرح على الأرض جبالا ثوابت لئلا تضطرب وتميل يمينا وشمالا فيختل بذلك نظام معاشكم.
وقوله : ( وَأَنْهاراً ) أي وجعل فيها أنهارا تجري بمائها وتسوقه إلى مزارعكم وبساتينكم وتسقيكم وما عندكم من الحيوان الأهلي.
وقوله : ( وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) معطوف على قوله : ( وَأَنْهاراً ) أي وجعل سبلا لغاية الاهتداء المرجو منكم ، والسبل منها ما هي طبيعية وهي المسافات الواقعة بين بقعتين من الأرض الواصلة إحداهما بالأخرى من غير أن يقطع ما بينهما بحاجب أو مانع كالسهل بين الجبلين ، ومنها ما هي صناعية وهي التي تتكون بعبور المارة وآثار الأقدام أو يعملها الإنسان.
والظاهر من السياق عموم السبل لكلا القسمين ، ولا ضير في نسبة ما جعله الإنسان إلى جعله تعالى كما نسب الأنهار والعلامات إلى جعله تعالى وأكثرها من صنع الإنسان وكما نسب ما عمله الإنسان من الأصنام وغيرها إلى خلقه تعالى في قوله : ( وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) الصافات : ٩٦.
وذلك أنها كائنة ما كانت من آثار مجعولاته تعالى وجعل الشيء ذي الأثر جعل لأثره بوجه وإن لم يكن جعلا مستقيما من غير واسطة.
قوله تعالى : ( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) العلامات جمع علامة وهي ما يعلم به الشيء ، وهو معطوف على قوله : ( أَنْهاراً ) أي وجعل علامات تستدلون بها على