المذكورون قبل ، ومعنى الآية إذا كان الأمر كما ذكرناه وكنت نذيرا بعذابنا كما أنزلناه على المقتسمين ( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ ) وأعلن الدعوة وأظهر الحق ( وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا ) أي لأننا ( كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) بإنزال العذاب عليهم وهم ( الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ).
قوله تعالى : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ) رجع ثانيا إلى حزنه صلىاللهعليهوآله وضيق صدره من استهزائهم لمزيد العناية بتسليته وتطييب نفسه وتقوية روحه ، وقد أكثر سبحانه في كلامه وخاصة في السور المكية من ذلك لشدة الأمر عليه صلىاللهعليهوآله.
قوله تعالى : ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) وصاه سبحانه بالتسبيح والتحميد والسجدة والعبادة أو إدامة العبودية مفرعا ذلك على ضيق صدره بما يقولون ففي ذلك استعانة على الغم والمصيبة ، وقد أمره في الآيات السابقة بالصفح والصبر ، ويستفاد الأمر بالصبر أيضا من قوله : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) فإن ظاهره الأمر بالصبر على العبودية حتى حين ، وبذلك يصير الكلام قريب المضمون من قوله تعالى لدفع الشدائد والمقاومة على مر الحوادث : ( اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) البقرة : ١٥٣.
وبذلك يتأيد أن المراد بالساجدين المصلون وأنه أمر بالصلاة وقد سميت سجودا تسمية لها باسم أفضل أجزائها ويكون المراد بالتسبيح والتحميد اللفظي منهما كقول سبحان الله والحمد لله أو ما في معناهما نعم لو كان المراد بالصلاة في آية البقرة التوجه إلى الله سبحانه أمكن أن يكون المراد بالتسبيح والتحميد ـ أو بهما وبالسجود ـ المعنى اللغوي وهو تنزيهه تعالى عما يقولون والثناء عليه بما أنعم به عليه من النعم والتذلل له تذلل العبودية.
وأما قوله : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) فإن كان المراد به الأمر بالعبادة كان كالمفسر للآية السابقة وإن كان المراد الأخذ بالعبودية ـ كما هو ظاهر السياق ، وخاصة سياق الآيات السابقة الآمرة بالصفح والإعراض ولازمهما الصبر كان بقرينة تقييده بقوله : ( حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) أمرا بانتهاج منهج التسليم والطاعة والقيام بلوازم العبودية.