إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الميزان في تفسير القرآن [ ج ١٢ ]

162/381
*

ذلك في ذيل الآية ومواضع أخرى من هذا الكتاب.

وعند هذا يستقيم معنى السببية أعني إغواءه الناس بسبب الإغواء الذي مسه واستقر فيه فإن البعد من الرحمة والبون من السعادة لما كان لازما لنفسه بلزوم اللعنة الإلهية له كان كلما اقترب من قلب إنسان بالوسوسة والتسويل أو استولى على نفس من النفوس وهو بعيد من الرحمة والسعادة أوجب ذلك بعد من اقترب منه أو تسلط عليه ، وهو إغواؤه بإلقاء أثر الغواية التي عنده إليه وهو ظاهر.

هذا ما يعطيه التدبر في الآية ومحصله أن المراد بالإغواء ليس هو الإضلال الابتدائي بل الإضلال على سبيل المجازاة الذي يدل عليه قوله : ( وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي ) الآية.

وأما القوم فكالمسلم عندهم أن قوله : ( بِما أَغْوَيْتَنِي ) لو كان بمعناه الظاهر وهو الإضلال لكان هو الإضلال الابتدائي وكان ناظرا إلى إبائه وامتناعه عن السجدة ولذا استشكلوا الآية واختلفوا في تفسير الإغواء على اختلاف مذاهبهم في استناد الشر إليه تعالى وصدوره منه جوازا وامتناعا.

فقال بعضهم وهم أهل الجبر : إن إسناد الإغواء إليه تعالى بلا إنكار منه لذلك يدل على أن الشر كالخير من الله تعالى ، والمعنى رب بما أضللتني بالامتناع عن السجدة ـ فهو منك ـ أقسم لأضلنهم أجمعين.

وقال آخرون وهم غيرهم : أنه لا يجوز استناد الشر والمعصية وكل قبيح إليه تعالى ووجهوا الآية بوجوه.

أحدها : أن الإغواء في الآية بمعنى التخييب والمعنى رب بما خيبتني من رحمتك لأخيبنهم بالدعوة إلى معصيتك.

الثاني : أن المراد بالإغواء الإضلال عن طريق الجنة والمعنى بما أضللتني عن طريق جنتك لما صدر مني من معصيتك لأضلنهم بالدعوة.

الثالث : أن المراد بقوله : ( بِما أَغْوَيْتَنِي ) بما كلفتني أمرا ضللت عنده بالمعصية وهو السجود فسمى ذلك إضلالا منه له توسعا وأنت بالتأمل فيما قدمناه تعرف أن الآية في غنى عن هذا البحث وما أبدئ فيه من الوجوه.