وبتقطيع الأرض شقها وجعلها قطعة قطعة ، وبتكليم الموتى إحياؤهم لاستخبارهم عما جرى عليهم بعد الموت ليستدل على حقية الدار الآخرة فإن هذا هو الذي كانوا يقترحونه.
فهذه أمور عظيمة خارقة للعادة فرضت آثارا لقرآن فرضه الله سبحانه بقوله : « وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً » إلخ ، وجزاء لو محذوف لدلالة الكلام عليه فإن الكلام معقب بقوله : « بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً » والآيات ـ كما عرفت ـ مسوقة لبيان أن أمر الهداية ليس براجع إلى الآية التي يقترحونها بقولهم : « لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ » بل الأمر إلى الله يضل من يشاء كما أضلهم ويهدي إليه من أناب.
وعلى هذا يجري سياق الآيات كقوله تعالى بعد : « بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ » ، وقوله : « وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ » الآية ، وقوله : « وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ » الآية إلى غير ذلك ، وعلى مثله جرى سياق الآيات السابقة.
فجزاء لو المحذوف هو نحو من قولنا : ما كان لهم أن يهتدوا به إلا أن يشاء الله والمعنى: ولو فرض أن قرآنا من شأنه أنه تسير به الجبال أو تقطع به الأرض أو يحيا به الموتى فتكلم ما كان لهم أن يهتدوا به إلا أن يشاء الله بل الأمر كله لله ليس شيء منه لغيره حتى يتوهم متوهم أنه لو أنزلت آية عظيمة هائلة مدهشة أمكنها أن تهديهم لا بل الأمر لله جميعا والهداية راجعة إلى مشيته.
وعلى هذا فالآية قريبة المعنى من قوله تعالى : « وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ » : الأنعام : ١١١.
وما قيل : إن جزاء لو المحذوف نحو من قولنا : لكان ذلك هذا القرآن ، والمراد بيان عظم شأن القرآن وبلوغه الغاية القصوى في قوة البيان ونفوذ الأمر وجهالة الكفار حيث أعرضوا عنه واقترحوا آية غيره. والمعنى : أن القرآن في رفعة القدر وعظمة الشأن بحيث لو فرض أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ـ أو في الموضعين لمنع الخلو لا لمنع الجمع ـ لكان ذلك هذا القرآن لكن الله لم ينزل قرآنا كذلك فالآية بوجه نظيرة قوله : « لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ » : الحشر : ٢١.