وأكثر هذه المعاني من باب الانطباق وهي خارجة عن دلالة اللفظ.
قوله تعالى : « كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ » إلى آخر الآية متاب مصدر ميمي للتوبة وهي الرجوع ، والإشارة بقوله : « كَذلِكَ » إلى ما ذكره تعالى من سنته الجارية من دعوة الأمم إلى دين التوحيد ثم إضلال من يشاء وهداية من يشاء على وفق نظام الرجوع إلى الله والإيمان به وسكون القلب بذكره وعدم الرجوع إليه.
والمعنى : وأرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم إرسالا يماثل هذه السنة الجارية ويجري في أمره على وفق هذا النظام لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وتبلغهم ما يتضمنه هذا الكتاب وهم يكفرون ، بالرحمن وإنما قيل بالرحمن ، دون أن يقال : « بنا » على ما يقتضيه ظاهر السياق إيماء إلى أنهم في ردهم هذا الوحي الذي يتلوه النبي صلىاللهعليهوآله عليهم وهو القرآن وعدم اعتنائهم بأمره حيث يقولون مع نزوله : « لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ » يكفرون برحمة إلهية عامة تضمن لهم سعادة دنياهم وأخراهم لو أخذوه وعملوا به.
ثم أمر تعالى : أن يصرح لهم القول في التوحيد فقال : « قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ » أي هو وحده ربي من غير شريك كما تقولون ولربوبية لي وحده أتخذه القائم على جميع أموري وبها ، وأرجع إليه في حوائجي وبذلك يظهر أن قوله : « عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ » من آثار الربوبية المتفرعة عليها فإن الرب هو المالك المدبر فمحصل المعنى هو وكيلي وإليه أرجع.
وقيل : إن المراد بالمتاب هو التوبة من الذنوب لما في المعنى الأول من لزوم كون « إليه متاب » تأكيدا لقوله : « عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ » وهو خلاف ظاهر.
وفيه منع رجوعه إلى التأكيد ثم منع كونه خلاف الظاهر وهو ظاهر.
وذكر بعضهم : أن المعنى إليه متابي ومتابكم. وفيه أنه مستلزم لحذف وتقدير لا دليل عليه ومجرد كون مرجعهم إليه في الواقع لا يوجب التقدير من غير أن يكون في الكلام ما يوجب ذلك.
قوله تعالى : « وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً » المراد بتسيير الجبال قلعها من أصولها وإذهابها من مكان إلى مكان