خصب مصر إنما يكون بفيضان النيل لا بالمطر فالأمطار لا تؤثر فيها أثرا.
رد عليه بأن الفيضان نفسه لا يكون إلا بالمطر الذي يمده في مجاريه من بلاد السودان.
على أن من الجائز أن يكون « يُغاثُ » مأخوذا من الغيث بمعنى النبات ، قال في لسان العرب ، : والغيث الكلاء ينبت من ماء السماء انتهى ، وهذا أنسب من المعنيين السابقين بالنظر إلى قوله : « وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ».
وقوله : « وَفِيهِ يَعْصِرُونَ » من العصر وهو إخراج ما في الشيء من ماء أو دهن بالضغط كإخراج ماء العنب والتمر للدبس وغيره وإخراج دهن الزيت والسمسم للائتدام والاستصباح وغيرهما ، ويمكن أن يراد بالعصر الحلب أي يحلبون ضروع أنعامهم كما فسره بعضهم به.
والمعنى ثم يأتي من بعد ذلك أي ما ذكر من السبع الشداد عام فيه تنبت أراضيهم ـ أو يمطرون أو ينصرون ـ وفيه يتخذون الأشربة والأدهنة من الفواكه والبقول أو يحلبون ضروع أنعامهم. وفيه كناية عن توفر النعمة عليهم وعلى أنعامهم ومواشيهم.
قال البيضاوي في تفسيره ، : وهذه بشارة بشرهم بها بعد أن أول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة ، والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ، وابتلاع العجاف السمان بأكل ما جمع في السنين المخصبة في السنين المجدبة ، ولعله علم ذلك بالوحي أو بأن انتهاء الجدب بالخصب أو بأن السنة الإلهية أن يوسع على عباده بعد ما ضيق عليهم. انتهى وذكر غيره نحوا مما ذكره.
وقال صاحب المنار في تفسيره ، في الآية : والمراد أن هذا العام عظيم الخصب والإقبال يكون للناس فيه كل ما يبغون من النعمة والإتراف ، والإنباء بهذا زائد على تأويل الرؤيا لجواز أن يكون العام الأول بعد سني الشدة والجدب دون ذلك فهذا التخصيص والتفصيل لم يعرفه يوسف إلا بوحي من الله عز وجل لا مقابل له في رؤيا الملك ولا هو لازم من لوازم تأويلها بهذا التفصيل. انتهى.
والذي أرى أنهم سلكوا تفسير آيات الرؤيا وتأويلها سبيل المساهلة والمسامحة وذلك أنا إذا تدبرنا في كلامه عليهالسلام في التأويل أعني قوله : « تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ