وهو سؤال الحكم الذي يؤدي إليه نظره ، وكون المعهود فيما بينه وبين يوسف تأويل الرؤيا ، وكذا ذيل الكلام يدل على ذلك ويكشف عنه.
وقوله : « لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ » لعل الأول تعليل لقوله : « أَفْتِنا » ولعل الثاني تعليل لقوله « أَرْجِعُ » والمراد أفتنا في أمر هذه الرؤيا ففي إفتائك رجاء أن أرجع به إلى الناس وأخبرهم بها وفي رجوعي إليهم رجاء أن يعلموا به فيخرجوا به من الحيرة والجهالة.
ومن هنا يظهر أن قوله : « أَرْجِعُ » في معنى أرجع بذلك فمن المعلوم أنه لو أفتى فيه فرجع المستفتي إلى الناس كان رجوعه رجوع عالم بتأويله خبير بحكمه فرجوعه عندئذ إليهم رجوع بمصاحبة ما ألقي إليه من التأويل فافهم ذلك.
وفي قوله أولا : « أَفْتِنا » وثانيا : « لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ » دلالة على أنه كان يستفتيه بالرسالة عن الملك والملأ ولم يكن يسأله لنفسه حتى يعلمه ثم يخبرهم به بل ليحمله إليهم ولذلك لم يخصه يوسف بالخطاب بل عم الخطاب له ولغيره فقال : « تَزْرَعُونَ » إلخ.
وفي قوله : « إِلَى النَّاسِ » إشعار أو دلالة على أن الناس كانوا في انتظار أن يرتفع بتأويله حيرتهم ، وليس إلا أن الملأ كانوا هم أولياء أمور الناس وخيرتهم في الأمر خيرة الناس أو أن الناس أنفسهم كانوا على هذا الحال لتعلقهم بالملك واهتمامهم برؤياه لأن الرؤيا ناظرة غالبا إلى ما يهتم به الإنسان من شئون الحياة والملوك إنما يهتمون بشئون المملكة وأمور الرعية.
قوله تعالى : « قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ » قال الراغب : الدأب إدامة السير دأب في السير دأبا قال تعالى : « وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ » والدأب العادة المستمرة دائما على حاله قال تعالى : « كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ » أي كعادتهم التي يستمرون عليها. انتهى وعليه فالمعنى تزرعون سبع سنين زراعة متوالية مستمرة ، وقيل : هو من دأب بمعنى التعب أي تزرعون بجد واجتهاد ، ويمكن أن يكون حالا أي تزرعون دائبين مستمرين أو مجدين مجتهدين فيه.
ذكروا أن « تَزْرَعُونَ » خبر في معنى الإنشاء ، وكثيرا ما يؤتى بالأمر في صورة الخبر مبالغة في وجوب الامتثال كأنه واقع يخبر عنه كقوله تعالى : « تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ