قال إبراهيم للرسل : فما خطبكم بعد البشارة؟ قالوا : إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين قوم لوط ـ إنهم كانوا قوما فاسقين لننذرهم عذاب رب العالمين ، قال أبو جعفر عليهالسلام : قال إبراهيم : إن فيها لوطا. قالوا : نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله ـ إلا امرأته قدرنا أنها لمن الغابرين ـ.
فلما عذبهم الله أرسل الله إلى إبراهيم رسلا ـ يبشرونه بإسحاق ويعزونه بهلاك قوم لوط ، وذلك قوله : ( وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى ـ قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ ) قوم منكرون ـ ( فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ) ـ يعني زكيا مشويا نضيجا ـ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة ـ قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة. قال أبو جعفر عليهالسلام : إنما عنوا سارة قائمة ـ فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ـ فضحكت يعني فعجبت من قولهم.
أقول : والرواية ـ كما ترى ـ تجعل قصة البشارة قصتين : البشارة بإسماعيل والبشارة بإسحاق وقد ولد بعد إسماعيل بسنين. ثم تحمل آيات سورة الحجر ـ ولم يذكر فيها تقديم العجل المشوي إلى الضيوف ـ على البشرى بإسماعيل ولما يقع العذاب على قوم لوط حين ذاك ، وتحمل آيات سورتي الذاريات وهود ـ وقد اختلطتا في الرواية ـ على البشرى لسارة بإسحاق ويعقوب ، وأنها إنما كانت بعد هلاك قوم لوط فراجعوا إبراهيم وأخبروه بوقوع العذاب وبشروه البشارة الثانية.
أما آيات سورة الحجر فإنها في نفسها تحتمل الحمل على البشارة بإسماعيل وكذا الآيات الواقعة في سورة الذاريات تحتمل أن تقص عما بعد هلاك قوم لوط وتكون البشرى بإسحاق ويعقوب عند ذلك.
وأما آيات سورة هود فإنها صريحة في البشرى بإسحاق ويعقوب ، ولكن ما في ذيلها من قوله : « يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ » إلى آخر الآيات تأبى أن تنطبق على ما بعد هلاك قوم لوط ، وإن كان ما في صدرها من قوله : « إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ » لا يأبى وحدة الحمل على ما بعد الهلاك ، وكذا جملة « إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ » لو لا ما يحفها من قيود الكلام.
وبالجملة مفاد الآيات في سورة هود هو وقوع البشرى بإسحاق قبل هلاك قوم