الوجود كالحياة والقدرة والعلم فلا حد له يتحدد به. وقد تقدم بعض التوضيح لهذه المسألة في ذيل تفسير قوله تعالى : « لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ » المائدة : ـ ٧٣.
وعلى ما تقدم كان ما للممكن من الوجود أو الحياة أو القدرة أو العلم متعلق الوجود به تعالى غير مستقل منه بوجه ، ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير ما كانت خصيصة عدم الاستقلال محفوظة فيه فلا مانع من فرض ممكن له علم بكل شيء أو قدرة على كل شيء أو حياة دائمة ما دام غير مستقل الوجود عن الله سبحانه ولا منعزل الكون منه كما لا مانع من تحقق الممكن مع وجود موقت ذي أمد أو علم أو قدرة متعلقين ببعض الأشياء دون بعض. نعم فرض الاستقلال يبطل الحاجة الإمكانية ولا فرق فيه بين الكثير والقليل كما عرفت ، هذا من جهة العقل.
وأما من جهة النقل فالكتاب الإلهي وإن كان ناطقا باختصاص بعض الصفات والأفعال به تعالى كالعلم بالمغيبات والإحياء والإماتة والخلق كما في قوله : « وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ » الأنعام : ـ ٥٩ ، وقوله : « وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا » النجم : ـ ٤٤ : « وقوله اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها » الزمر : ـ ٤٢ ، وقوله : « اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ » الزمر : ـ ٦٢ ، إلى غير ذلك من الآيات لكنها جميعا مفسرة بآيات أخر كقوله : « عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » الجن : ـ ٢٧ ، وقوله : « قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ » الم السجدة : ـ ١١ ، وقوله عن عيسى عليهالسلام : « وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ » آل عمران : ـ ٤٩ ، وقوله : « وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي » المائدة : ـ ١١٠ إلى غير ذلك من الآيات.
وانضمام الآيات إلى الآيات لا يدع شكا في أن المراد بالآيات النافية اختصاص هذه الأمور به تعالى بنحو الأصالة والاستقلال والمراد بالآيات المثبتة إمكان تحققها في غيره تعالى بنحو التبعية وعدم الاستقلال.
فمن أثبت شيئا من العلم المكنون أو القدرة الغيبية أعني العلم من غير طريق الفكر والقدرة من غير مجراها العادي الطبيعي لغيره تعالى من أنبيائه وأوليائه