المرجو أن تتجدد له النعمة بعد النقمة وإلا فهو الهلاك والفناء وإن الله لغني عن العالمين ، وقد تقدم هذا البحث في بعض أجزاء الكتاب السابقة.
قوله تعالى : « فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا » إلى آخر الآية ، الفاء في صدر الآية لتفريع جوابهم عن قول نوح عليهالسلام ، وفيه إشارة إلى أنهم بادروه بالرد والإنكار من دون أن يفكروا في أنفسهم فيختاروا ما هو أصلح لهم.
والمجيبون هم الملأ من قومه والأشراف والكبراء الذين كفروا به ولم يتعرضوا في جوابهم لما ألقى إليهم من حجة التوحيد بل إنما اشتغلوا بنفي رسالته والاستكبار عن طاعته فإن قوله : « إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ » إلى آخر الآيتين ، كان مشتملا على دعوى الرسالة وملوحا إلى وجوب الاتباع وقد صرح به فيما حكي عنه في موضع آخر ، قال تعالى : « قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ » نوح : ـ ٣.
ومحصل ما نقله الله تعالى من جوابهم هو أنه لا دليل على لزوم اتباعك بل الدليل على خلافه فهو في الحقيقة حجتان منظومتان على طريق الإضراب والترقي ولذلك أخر قولهم : « بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ ».
والحجة الأولى التي مدلولها عدم الدليل على وجوب اتباعه مبينة بطرق ثلاث هي قوله : « ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً » إلخ ، وقوله : « وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ » إلخ ، وقوله : « وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا ». إلخ.
والحجة بجميع أجزائها مبنية على إنكار ما وراء الحس كما سنبين ولذلك كرروا فيه قولهم : ما نراك ونرى.
فقوله : « ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا » أول جوابهم عما يدعيه نوح عليهالسلام من الرسالة ، وقد تمسكوا فيه بالمماثلة كما هو دأب سائر الأمم مع أنبيائهم على ما حكاه الله تعالى في كتابه وتقريره : أنك مثلنا في البشرية ولو كنت رسولا إلينا من عند الله لم تكن كذلك ولا نشاهد منك إلا أنك بشر مثلنا ، وإذ كنت بشرا مثلنا لم يكن هناك موجب لاتباعك.