العامة لآدم وزوجته فمن بعدهما من ذريتهما : « قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً ـ إلى قوله ـ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ » البقرة : ـ ٣٩.
وهذا هو الذي يريده بقوله في مقام بيان سبب خسران المكذبين : « إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ » وهم المكذبون حقت عليهم كلمة العذاب فهم « لا يُؤْمِنُونَ » ولذلك كانوا خاسرين لأنهم ضيعوا رأس مال سعادتهم وهو الإيمان فحرموه وحرموا بركاته في الدنيا والآخرة ، وإذ حق عليهم أنهم لا يؤمنون فلا سبيل لهم إلى الإيمان ولو جاءتهم كل آية « حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ » ولا فائدة في الإيمان الاضطراري.
وقد كرر الله سبحانه في كلامه هذا القول واستتباعه للخسران وعدم الإيمان كقوله : « لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » يس : ـ ٧ ، وقوله : « لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ » يس : ـ ٧٠ أي بتكذيبهم بالآيات المستتبع لعدم إيمانهم فخسرانهم ، وقوله : « وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ » حم السجدة : ـ ٢٥ إلى غير ذلك.
وقد ظهر من الآيات أولا أن العناد مع الحق والتكذيب بآيات الله يحق كلمة العذاب الخالد على الإنسان.
وثانيا : أن رأس مال سعادة الحياة للإنسان هو الإيمان.
وثالثا : أن كل إنسان فهو مؤمن لا محالة إما إيمانا اختياريا مقبولا يسوقه إلى سعادة الحياة الدنيا والآخرة ، وإما إيمانا اضطراريا غير مقبول حيثما يرى العذاب الأليم.
قوله تعالى : « فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ » إلخ ، ظاهر السياق أن لو لا للتحضيض ، وأن المراد بقوله : « آمَنَتْ » الإيمان الاختياري الصحيح كما يشعر به قوله بعده : « فَنَفَعَها إِيمانُها » ولوقوع التحضيض على أمر ماض لم يتحقق أفادت الجملة معنى اليأس المساوق للنفي فاستقام الاستثناء الذي في قوله : « إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ ».
والمعنى : هلا كانت قرية ـ من هذه القرى التي جاءتهم رسلنا فكذبوهم ـ