( بيان )
الآيات في سياق الآيات السابقة وهي متصلة بها ومنعطفة على آيات أول السورة إلا قوله : « وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَ » الآية والآية التي تليها ، فإن ظهور اتصالها دون بقية الآيات ، وسيجيء الكلام فيها إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : « وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ » إلى آخر الآية ، قال الراغب : المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة ، وذلك ضربان : ضرب محمود وذلك أن يتحرى به فعل جميل وعلى ذلك قال : ( وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ) ، ومذموم وهو أن يتحرى به فعل قبيح قال : ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ). ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ). ( فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ) ، وقال في الأمرين : ( وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً ) ، وقال بعضهم : من مكر الله إمهال العبد وتمكينه من أعراض الدنيا ، ولذلك قال أمير المؤمنين رضي الله عنه : من وسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به ـ فهو مخدوع عن عقله. انتهى.
وفي المجمع ، : الإثبات الحبس يقال : رماه فأثبته أي حبسه مكانه ، وأثبت الحرب أي جرحه جراحة مثقلة. انتهى.
ومقتضى سياق الآيات إن يكن قوله : « وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا » الآية معطوفة على قوله سابقا : « وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ » فالآية مسوقة لبيان ما أسبغ الله عليهم من نعمته ، وأيدهم به من أياديه التي لم يكن لهم فيها صنع.
ومعنى الآية : واذكر أو وليذكروا إذ يمكر بك الذين كفروا من قريش لإبطال دعوتك أن يوقعوا بك أحد أمور ثلاثة : إما أن يحبسوك وإما أن يقتلوك وإما أن يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
والترديد في الآية بين الحبس والقتل والإخراج بيانا لما كانوا يمكرونه من مكر يدل أنه كان منهم شورى يشاور فيها بعضهم بعضا في أمر النبي صلىاللهعليهوآله وما كان يهمهم ويهتمون به من إطفاء نور دعوته ، وبذلك يتأيد ما ورد من أسباب النزول أن الآية تشير إلى قصة دار الندوة على ما سيجيء في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.