وربما جوز بعض النحاة أن يكون « لا تُصِيبَنَ » نهيا واردا في جواب الأمر كما يقال : اتق زيدا لا يضربك أو لا يضربنك والتقدير : اتق زيدا فإنك إن اتقيته لا يضربك ولم يشترط في نون التأكيد أن لا يدخل الخبر.
وربما قال بعضهم : إن لا زائدة والمعنى : اتقوا فتنة تصيبن الآية.
وربما ذكر آخرون : « أن أصل ( لا تُصِيبَنَ ) » « لتصيبن » أشبعت فتحة اللام حتى تولدت الألف ، وإشباع الفتحة ليس بعزيز في الشعر قال :
فأنت من الغوائل حين ترمي |
|
ومن ذم الرجال بمنتزاح |
يريد : بمنتزح ، والوجهان بعيدان لا يحمل على مثلهما كلامه تعالى.
ومآل المعنى على هذا الوجه أي على قراءة « لا تُصِيبَنَ » أيضا إلى ما تفيده القراءة الأولى « لتصيبن » كما عرفت.
والآية ـ كما عرفت ـ تتضمن خطابا اجتماعيا متوجها إلى مجموع الأمة وذلك يؤيد كون الخطاب في الآية السابقة : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ » خطابا اجتماعيا متوجها إلى كافة المؤمنين ، ويتفرع عليه أن المراد بالدعوة إلى ما يحييهم الدعوة إلى الاتفاق على الاعتصام بحبل الله وإقامة الدين وعدم التفرق فيه كما قال : « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا » : آل عمران : ـ ١٠٣ وقال : « أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ » الشورى : ـ ١٣ وقوله : « وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ » : الأنعام : ـ ١٥٣.
وبهذا يتأيد بعض الوجوه المذكورة سابقا في قوله : « إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ » وكذا في قوله : « أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ » وتختص الآية به بحسب السياق وإن كانت تفيد معنى أوسع من ذلك باعتبار أخذها في نفسها مفردة عن السياق ، والباحث الناقد لا يعوز عليه تمييز ذلك والله الهادي.
قوله تعالى : « وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ » إلى آخر الآية. الاستضعاف عد الشيء ضعيفا بتوهين أمره ، والتخطف والخطف والاختطاف أخذ الشيء بسرعة انتزاع ، والإيواء جعل الإنسان ذا مأوى ومسكن يرجع إليه ويأوي ، والتأييد من الأيد وهو القوة.