تعالى : « إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى » : النجم : ٢٣ وقال : « أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ » : الجاثية : ـ ٢٣.
فهذه الأمور التي تدعو إليها الفطرة الإنسانية من حق العلم والعمل لوازم الحياة السعيدة الإنسانية وهي الحياة الحقيقية التي بالحري أن تختص باسم الحياة والحياة السعيدة تستتبعها كما أنها تستلزم الحياة وتستتبعها وتعيدها إلى محلها لو ضعفت الحياة في محلها بورود ما يضادها ويبطل رشد فعلها.
فإذا انحرف الإنسان عن سوي الصراط الذي تهديه إليه الفطرة الإنسانية وتسوقه إليه الهداية ، الإلهية فقد فقد لوازم الحياة السعيدة من العلم النافع والعمل الصالح ، ولحق بحلول الجهل وفساد الإرادة الحرة والعمل النافع بالأموات ولا يحييه إلا علم حق وعمل حق ، وهما اللذان تندب إليهما الفطرة وهذا هو الذي تشير إليه الآية التي نبحث عنها : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ ».
واللام في قوله : « لِما يُحْيِيكُمْ ». بمعنى إلى ، وهو شائع في الاستعمال ، والذي يدعو إليه الرسول صلىاللهعليهوآله هو الدين الحق وهو الإسلام الذي يفسره القرآن الكريم باتباع الفطرة فيما تندب إليه من علم نافع وعمل صالح.
وللحياة بحسب ما يراه القرآن الكريم معنى آخر أدق مما نراه بحسب النظر السطحي الساذج فإنا إنما نعرف من الحياة في بادئ النظر ما يعيش به الإنسان في نشأته الدنيوية إلى أن يحل به الموت ، وهي التي تصاحب الشعور والفعل الإرادي ، ويوجد مثلها أو ما يقرب منها في غير الإنسان أيضا من سائر الأنواع الحيوانية لكن الله سبحانه يقول : « وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ » : العنكبوت ٦٤ ويفيد ذلك أن الإنسان متمتع بهذه الحياة غير مشتغل إلا بالأوهام ، وأنه مشغول بها عما هو أهم وأوجب من غايات وجوده وأغراض روحه فهو في حجاب مضروب عليه يفصل بينه وبين حقيقة ما يطلبه ويبتغيه من الحياة.
وهذا هو الذي يشير إليه قوله تعالى وهو من خطابات يوم القيامة : « لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ » : ق : ـ ٢٢.