وقد ظهر من عموم البيان والعلة في الآيات الأربع أن الحكم عام وهو وجوب التبري أو حرمة التولي لأعداء الله سواء كان التولي بالاستغفار أو بغير ذلك وسواء كان العدو مشركا أو كافرا أو منافقا أو غيرهم من أهل البدع الكافرين بآيات الله أو المصرين على بعض الكبائر كالمرابي المحارب لله ورسوله.
قوله تعالى : « لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ » إلى آخر الآيتين ، الساعة مقدار من الزمان فساعة العسرة الزمان الذي تعسر فيه الحياة لابتلاء الإنسان بما تشق معه العيشة عليه كعطش أو جوع أو حر شديد أو غير ذلك ، والزيغ هو الخروج من الطريق والميل عن الحق ، وإضافة الزيغ إلى القلوب وذكر ساعة العسرة وسائر ما يلوح من سياق الكلام دليل على أن المراد بالزيغ الاستنكاف عن امتثال أمر النبي صلىاللهعليهوآله والخروج عن طاعته بالتثاقل عن الخروج إلى الجهاد أو الرجوع إلى الأوطان بقطع السير تحرجا من العسرة والمشقة التي واجهتهم في مسيرهم.
والتخليف ـ على ما في المجمع ، ـ تأخير الشيء عمن مضى فأما تأخير الشيء عنك في المكان فليس بتخليف ، وهو من الخلف الذي هو مقابل لجهة الوجه يقال خلفه أي جعله خلفه فهو مخلف. انتهى والرحب هو السعة التي تقابل الضيق ، وبما رحبت أي برحبها فما مصدرية.
والآيتان وإن كانت كل واحدة منهما ناظرة إلى جهة دون جهة الأخرى فالأولى تبين التوبة على النبي والمهاجرين والأنصار والثانية تبين توبة الثلاثة المخلفين مضافا إلى أن نوع التوبة على أهل الآيتين مختلف فأهل الآية الأولى أو بعضهم تاب الله عليهم من غير معصية منهم وأهل الآية الثانية تيب عليهم وهم عاصون مذنبون.
وبالجملة الآيتان مختلفتان غرضا ومدلولا غير أن السياق يدل على أنهما مسوقتان لغرض واحد ومتصلتان كلاما واحدا تبين فيه توبته تعالى للنبي والمهاجرين والأنصار والثلاثة الذين خلفوا ، ومن الدليل عليه قوله : « لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِ إلى أن قال : وَعَلَى الثَّلاثَةِ » إلخ فالآية الثانية غير مستقلة عن الأولى بحسب اللفظ وإن استقلت عنها في المعنى ، وذلك يستدعي نزولهما معا وتعلق غرض خاص بهذا الاتصال والامتزاج.
ولعل الغرض الأصلي بيان توبة الله سبحانه لأولئك الثلاثة المخلفين وقد ضم إليها ذكر توبته تعالى للمهاجرين والأنصار حتى للنبي صلىاللهعليهوآله لتطيب قلوبهم بخلطهم