جماعة من بني عمرو بن عوف بنوا مسجد قبا وسألوا النبي أن يصلي فيه فصلى فيه فحسدهم جماعة من بني غنم بن عوف وهم منافقون فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قبا ليضروا به ويفرقوا المؤمنين منه وينتظروا لأبي عامر الراهب الذي وعدهم أن يأتيهم بجيش من الروم ليخرجوا النبي صلىاللهعليهوآله من المدينة ، وأمرهم أن يستعدوا للقتال معهم.
ولما بنوا المسجد أتوا النبي صلىاللهعليهوآله وهو يتجهز إلى تبوك وسألوه أن يأتيه ويصلي فيه ويدعو لهم بالبركة فوعدهم إلى الفراغ من أمر تبوك والرجوع إلى المدينة فنزلت الآيات.
فكان مسجدهم لمضارة مسجد قبا ، وللكفر بالله ورسوله ، ولتفريق المؤمنين المجتمعين في قبا ، ولإرصاد أبي عامر الراهب المحارب لله ورسوله من قبل ، وقد أخبر الله سبحانه عنهم إنهم ليحلفن إن أردنا من بناء هذا المسجد إلا الفعلة الحسنى وهو التسهيل للمؤمنين بتكثير معابد يعبد فيها الله ، وشهد تعالى بكذبهم بقوله : « وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ».
قوله تعالى : « لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً » إلى آخر الآية ، بدأ بنهي النبي صلىاللهعليهوآله عن أن يقوم فيه ثم ذكر مسجد قبا ورجح القيام فيه بعد ما مدحه بقوله : « لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ » فمدحه بحسن نية مؤسسيه من أول يوم وبنى عليه رجحان القيام فيه على القيام في مسجد الضرار.
والجملة وإن لم تفد تعين القيام في مسجد قبا حيث عبر بقوله : « أحق ، غير أن سبق النهي عن القيام في مسجد الضرار يوجب ذلك ، وقوله تعالى : « فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا » تعليل للرجحان السابق ، وقوله : « وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ » متمم للتعليل المذكور ، وهذا هو الدليل على أن المراد بقوله : « لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ » إلخ هو مسجد قبا لا مسجد النبي أو غيره.
ومعنى الآية : لا تقم أي للصلاة في مسجد الضرار أبدا ، أقسم ، لمسجد قبا الذي هو مسجد أسس على تقوى الله من أول يوم أحق وأحرى أن تقوم فيه للصلاة وذلك أن فيه رجالا يحبون التطهر من الذنوب أو من الأرجاس والأحداث والله يحب المطهرين وعليك أن تقوم فيهم.
وقد ظهر بذلك أن قوله : « لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ » إلخ ، بمنزلة التعليل لرجحان المسجد على المسجد وقوله : « فِيهِ رِجالٌ » إلخ ، لإفادة رجحان أهله على أهله ، وقوله