القتل بأطرافها إلى سبب إلهي غير عادي ، ولا ينافي ذلك استنادها بما وقع فيها من الوقائع إلى أسبابها القريبة المعهودة في الطبيعة بأن يعد المؤمنون قاتلين لمن قتلوا منهم ، والنبي صلىاللهعليهوآله راميا لما رماه من الحصاة.
وقوله : « وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً » الظاهر أن ضمير « مِنْهُ » راجع إلى الله تعالى ، والجملة لبيان الغاية وهي معطوفة على مقدر محذوف ، والتقدير : إنما فعل الله ما فعل من قتلهم ورميهم لمصالح عظيمة عنده ، وليبلي المؤمنين ويمتحنهم بلاء وامتحانا حسنا أو لينعم عليهم بنعمة حسنة ، وهو إفناء خصمهم وإعلاء كلمة التوحيد بهم وإغناؤهم بما غنموا من الغنائم.
وقوله : « إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » تعليل لقوله : « وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ » أي إنه تعالى يبليهم لأنه سميع باستغاثتهم عليم بحالهم فيبليهم منه بلاء حسنا.
والتفريع الذي في صدر الآية : « فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ » إلخ متعلق بما يتضمنه الآيات السابقة : « إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ » إلى آخر الآيات من المعنى ، فإنها تعد منن الله عليهم من إنزال الملائكة وإمدادهم بهم وتغشية النعاس إياهم وإمطار السماء عليهم وما أوحي إلى الملائكة من تأييدهم وتثبيت أقدامهم وإلقاء الرعب في قلوب أعدائهم ، فلما بلغ الكلام هذا المبلغ فرع عليه قوله : « فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى ».
وعلى هذا فقوله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ » إلى قوله : « وَبِئْسَ الْمَصِيرُ » معترضة متعلقة بقوله : « فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ » أو بمعناه المفهوم من الجمل المسرودة ، وقوله : « فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ » إلخ متصل بما قبله بحسب النظم.
وربما يذكر في نظم الآية وجهان آخران :
أحدهما : أن الله سبحانه لما أمرهم بالقتل في الآية المتقدمة ذكر عقيبها أن ما كان من الفتح يوم بدر وقهر المشركين إنما كان بنصرته ومعونته تذكيرا للنعمة. ذكره أبو مسلم.
والثاني : أنهم لما أمروا بالقتال ثم كان بعضهم يقول : أنا قتلت فلانا وأنا فعلت كذا نزلت الآية على وجه التنبيه لهم لئلا يعجبوا بأعمالهم. وربما قيل : إن الفاء في