وكيف يمكن أن يتحقق كلهم بمضمون قوله : « رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ » ويفهموا ذلك منه ثم لا يرضى بعضهم عن بعض وقد رضي الله عنه ، والراضي عن الله راض عما رضي الله عنه ، ولا يندفع هذا الإشكال بحديث اجتهادهم فإن ذلك لو سلم يكون عذرا في مقام العمل لا مصححا للجمع بين صفتين متضادتين وجدانا وهما الرضا عن الله وعدم الرضا عما رضي الله عنه والكلام طويل.
وفيه ، أخرج أبو عبيد وسنيد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حبيب الشهيد عن عمرو بن عامر الأنصاري : أن عمر بن الخطاب قرأ « والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان » فرفع الأنصار ولم يلحق الواو في الذين فقال له زيد بن ثابت : والذين فقال عمر : الذين فقال زيد : أمير المؤمنين أعلم فقال عمر : ائتوني بأبي بن كعب فأتاه فسأله عن ذلك ـ فقال أبي : والذين فقال عمر : فنعم إذن نتابع أبيا.
أقول : ومقتضى قراءة عمر اختصاص المهاجرين بما يتضمنه قوله : « وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ » من المنقبة ومنقبة أخرى وهي كونهم متبوعين للأنصار كما يشير إليه الحديث الآتي.
وفيه ، أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال : مر عمر برجل يقرأ « وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ » فأخذ عمر بيده فقال : من أقرأك هذا؟ قال : أبي بن كعب. قال : لا تفارقني حتى أذهب بك إليه ـ فلما جاءه قال عمر : أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال : نعم ـ قال : وسمعتها من رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ قال : نعم. قال : كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا ـ.
فقال أبي : تصديق ذلك في أول سورة الجمعة : « وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ » وفي سورة الحشر : « وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ ـ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ » وفي الأنفال : « وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ ».
وفي الكافي ، بإسناده عن موسى بن بكر عن رجل قال : قال أبو جعفر عليهالسلام : « الذين ( خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ) » فأولئك قوم مؤمنون يحدثون في إيمانهم من الذنوب ـ التي يعيبها المؤمنون ويكرهونها ـ فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم.