وفي الدر المنثور ، أخرج ابن مردويه من طريق الأوزاعي حدثني يحيى بن كثير والقاسم ومكحول وعبدة بن أبي لبابة وحسان بن عطية أنهم سمعوا جماعة من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله يقولون : لما أنزلت هذه الآية : « وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ـ إلى قوله ـ وَرَضُوا عَنْهُ » قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : هذا لأمتي كلهم ، وليس بعد الرضا سخط.
أقول : معناه أن من رضي الله عنهم ورضوا عنه هم الذين جمعتهم الآية لا أن الآية تدل على رضاه تعالى عن الأمة كلهم فهذا مما يدفعه الكتاب بالمخالفة القطعية ، وكذا قوله : « وليس بعد الرضا سخط » ، مراده ليس بعد الرضا المذكور في الآية سخط ، وقد قررناه فيما تقدم لا أنه ليس بعد مطلق رضى الله سخط فهو مما لا يستقيم البتة.
وفيه ، أخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن أبي صخر حميد بن زياد قال : قلت لمحمد بن كعب القرظي : أخبرني عن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله وإنما أريد الفتن : فقال : إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله ، وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم. قلت : وفي أي موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابه؟ قال : ألا تقرأ : « وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ » الآية ـ أوجب لجميع أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله الجنة والرضوان ، وشرط على التابعين شرطا لم يشترطه فيهم ـ.
قلت : وما أشترط عليهم؟ قال : اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان يقول : يقتدوا بهم في أعمالهم الحسنة ، ولا يقتدون بهم في غير ذلك. قال أبو صخر : فوالله لكأني لم أقرأها قبل ذلك ، وما عرفت تفسيرها حتى قرأها علي محمد بن كعب.
أقول : هو ـ كما ترى ـ يسلم أن في أعمالهم حسنة وسيئة وطاعة وفسقا غير أن الله رضي عنهم في جميع ذلك وغفرها لهم فلا يجازيهم بالسيئة سيئة ، وهو الذي ذكرنا في البيان المتقدم أن مقتضاه تكذيب آيات كثيرة قرآنية تدل على أن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين والظالمين وأنه لا يحبهم ولا يهديهم ، وتقيد آيات أكثر من ذلك وهي أكثر الآيات القرآنية الدالة على عموم جزاء الحسنة بالحسنة والسيئة بالسيئة من غير مقيد وعليها تعتمد آيات الأمر والنهي وهي آيات الأحكام بجملتها.
ولو كان مدلول الآية هذا الذي ذكره لكانت الصحابة على عربيتهم المحضة واتصالهم بزمان النبوة ونزول الوحي أحق أن يفهموا من الآية ذلك ، ولو كانوا فهموا منها ذلك لما عامل بعضهم بعضا بما ضبطه النقل الصحيح.