من خطاب النبي صلىاللهعليهوآله بتبدل خطابهم إلى خطابه فلا معنى لقوله : إن سياق الكلام في المؤمنين.
ولو كان السياق هو الذي ذكره لكان من حق الكلام أن يقال : أن تنزل عليكم سورة تنبئكم بما في قلوبهم ، فما معنى العدول إلى ضمير الغيبة ، ولم يتقدم في سابق الكلام ذكر لهم على هذا النعت؟.
على أن قوله : إن الآية ـ ( يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ ) ـ بيان من طريق الاستئناف لسبب حلفهم للمؤمنين ليرضوهم ، إخراج لهذه الطائفة من الآيات من استقلال غرضها الأصلي الذي بحثنا عنه في أول الكلام ، ويختل بذلك ما يتراءى من فقرات الآيات من الاتصال والارتباط.
فالآية ـ ( يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ ) إلخ ـ ليست بيانا لسبب حلفهم المذكور سابقا بل استئناف مسوق لغرض آخر يهدي إليه مجموع الآيات الإحدى عشرة.
وبالجملة الآيات السابقة على هذه الآية خالية عن ذكر المؤمنين ذكرا يوجب انعطاف الذهن إليه حينما يلقي ضميرا يمكن عوده إليهم وهذا هو التفكيك المذكور ، وهو مع ذلك تفكيك ممنوع لإيجابه إبهاما في البيان ينافي بلاغته.
والحق أن الضمير في قوله : « أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ » للمنافقين ـ كما تقدمت الإشارة إليه ـ ولا بأس بأن يسمى تنزيل سورة لبيان حالهم وذكر مثالبهم وتوبيخهم على نفاقهم تنزيلا للسورة عليهم وهم في جماعة المؤمنين غير متميزين منهم كما عبر بنظير التعبير في مورد المؤمنين حيث قال : « وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ » البقرة : ـ ٢٣١.
وقد أتى سبحانه بنظير هذا التعبير في أهل الكتاب حيث قال : « يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ » النساء : ـ ١٥٣ ، وفي المشركين حيث حكى عنهم قولهم : « وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ » إسراء : ـ ٩٣ ، وليست نسبة المنافقين وهم في المؤمنين إلى نزول القرآن عليهم بأبعد من نسبة المشركين وأهل الكتاب إلى نزوله عليهم ، والنزول والإنزال والتنزيل يقبل التعدي بإلى بعناية الانتهاء وبعلى بعناية الاستعلاء والإتيان من العلو ، والتعدية بكل واحد منهما كثير