وتبعث وحدك ، وتدخل الجنة وحدك ، يسعد بك قوم من أهل العراق ـ يتولون غسلك وتجهيزك والصلاة عليك ودفنك ـ.
ثم قال : وقد كان تخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قوم من المنافقين ـ وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق : منهم كعب بن مالك الشاعر ـ ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية الرافعي ـ فلما تاب الله عليهم قال كعب. ما كنت قط أقوى مني في ذلك الوقت الذي خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى تبوك ، وما اجتمعت لي راحلتان قط إلا في ذلك اليوم ، وكنت أقول : أخرج غدا بعد غد فإني مقوى ، وتوانيت وثقلت بعد خروج النبي صلىاللهعليهوآله أياما أدخل السوق ـ ولا أقضي حاجة فلقيت هلال بن أمية ومرارة بن الربيع ـ وقد كانا تخلفا أيضا فتوافقنا أن نبكر إلى السوق ؛ فلم نقض حاجة فما زلنا نقول : نخرج غدا وبعد غد حتى بلغنا إقبال رسول الله صلىاللهعليهوآله فندمنا ـ.
فلما وافى رسول الله صلىاللهعليهوآله استقبلناه نهنئه السلامة ـ فسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام وأعرض عنا ، وسلمنا على إخواننا فلم يردوا علينا السلام ـ فبلغ ذلك أهلونا فقطعوا كلامنا ؛ وكنا نحضر المسجد فلا يسلم علينا أحد ولا يكلمنا ـ فجاءت نساؤنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقلن : قد بلغنا سخطك على أزواجنا أفنعتزلهم؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لا تعتزلنهم ولكن لا يقربوكن ـ.
فلما رأى كعب بن مالك وصاحباه ما قد حل بهم قالوا : ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلمنا رسول الله صلىاللهعليهوآله ولا إخواننا ولا أهلونا؟ فهلموا نخرج إلى هذا الجبل ـ فلا نزال فيه حتى يتوب الله علينا أو نموت ـ.
فخرجوا إلى ذباب ـ جبل بالمدينة ـ فكانوا يصومون وكان أهلوهم يأتونهم بالطعام ـ فيضعونه ناحية ثم يولون عنهم ولا يكلمونهم ـ.
فبقوا على هذا أياما كثيرة يبكون بالليل والنهار ـ ويدعون الله أن يغفر لهم فلما طال عليهم الأمر ـ قال لهم كعب : يا قوم قد سخط الله علينا ورسوله ، وقد سخط علينا أهلونا ، وإخواننا ـ قد سخطوا علينا فلا يكلمنا أحد ـ فلم لا يسخط بعضنا على بعض؟ فتفرقوا في الجبل ـ وحلفوا أن لا يكلم أحد منهم صاحبه حتى يموت ـ أو يتوب الله عليه فبقوا على ذلك ثلاثة أيام ، وكل واحد منهم في ناحية من الجبل ـ لا يرى أحد منهم صاحبه ولا يكلمه.