وملخص الآيتين دستوران إلهيان في قتال الذين لا عهد لهم بالنقض أو بخوفه فإن كان أهل العهد من الكفار لا يثبتون على عهدهم بنقضه في كل مرة فعلى ولي الأمر أن يقاتلهم ويشدد عليهم ، وإن كانوا بحيث يخاف من خيانتهم ولا وثوق بعهدهم فيعلمون إلغاء عهدهم ثم يقاتلون ولا يبدأ بقتالهم قبل الاعلام فإنما ذلك خيانة ، وأما إن كانوا عاهدوا ولم ينقضوا ولم يخف خيانتهم فمن الواجب حفظ عهدهم واحترام عقدهم وقد قال تعالى : « فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ » التوبة : ـ ٤. وقال : « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » المائدة : ـ ١.
قوله تعالى : « وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ » القراءة المشهورة « تحسبن » بتاء الخطاب ، وهو خطاب للنبي صلىاللهعليهوآله تطييبا لنفسه وتقوية لقلبه كالخطاب الآتي بعد عدة آيات : « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » وكالخطاب الملقى بعده لتحريض المؤمنين : « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ ».
والسبق تقدم الشيء على طالب اللحوق به ، والإعجاز إيجاد العجز ، وقوله : « إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ » تعليل لقوله : « ولا تحسبن » إلخ ، والمعنى : يا أيها النبي لا تحسبن أن الذين كفروا سبقونا فلا ندركهم ، لأنهم لا يعجزون الله وله القدرة على كل شيء.
قوله تعالى : « وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ ». إلى آخر الآية الإعداد تهيئة الشيء للظفر بشيء آخر وإيجاد ما يحتاج إليه الشيء المطلوب في تحققه كإعداد الحطب والوقود للإيقاد وإعداد الإيقاد للطبخ ، والقوة كل ما يمكن معه عمل من الأعمال ، وهي في الحرب كل ما يتمشى به الحرب والدفاع من أنواع الأسلحة ، والرجال المدربين والمعاهد الحربية التي تقوم بمصلحة ذلك كله ، والرباط مبالغة في الربط وهو أيسر من العقد يقال : ربطه يربطه ربطا ورابطه يرابطه مرابطة ورباطا فالكل بمعنى غير أن الرباط أبلغ من الربط ، والخيل هو الفرس ، والإرهاب قريب المعنى من التخويف.
وقوله : « وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ » أمر عام بتهيئة المؤمنين مبلغ استطاعتهم من القوى الحربية ما يحتاجون إليه قبال ما لهم من الأعداء في الوجود أو في الفرض والاعتبار فإن المجتمع الإنساني لا يخلو من التآلف من أفراد أو أقوام مختلفي الطباع ومتضادي الأفكار لا ينعقد بينهم مجتمع على سنة قيمة ينافعهم إلا وهناك مجتمع آخر يضاده في منافعه ، ويخالفه في سنته ، ولا يعيشان