اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً » إلخ وظاهره ـ بمقتضى إشعار السياق ـ أن المراد به : وذلك بأن الله سميع لدعواتكم عليم بحاجاتكم سمع استغاثتكم وعلم بحاجتكم فاستجاب لكم فعذب أعداءكم الكافرين بآيات الله ، ويحتمل أن يكون المراد : ذلك بأن الله سميع لأقوالهم عليم بأفعالهم فعذبهم على ذلك ، ويمكن الجمع بين المحتملين.
قوله تعالى : « كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ » إلخ كرر التنظير السابق لمشابهة الفرض مع ما تقدم فقوله : « كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ » إلخ السابق تنظير لقوله : « ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ » كما أن قوله : « كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ـ إلى قوله ـ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ » ثانيا تنظير لقوله : « ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً » إلخ.
غير أن التنظير الثاني يشتمل على نوع من الالتفات في قوله : « فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ » وقد وقع بحذائه في التنظير الأول : « فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ » من غير التفات ولعل الوجه فيه أن التنظير الثاني لما كان مسبوقا بإفادة أن الله هو المفيض بالنعم على عباده ولا يغيرها إلا عن تغييرهم ما بأنفسهم ، وهذا شأن الرب بالنسبة إلى عبيده اقتضى ذلك أن يعد هؤلاء عبيدا غير جارين على صراط عبودية ربهم ولذلك غير بعض سياق التنظير فقال في الثاني : « كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ » وقد كان بحذائه في الأول قوله : « كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ » ولذلك التفت هاهنا من الغيبة إلى التكلم مع الغير فقال : « فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ » للدلالة على أنه سبحانه هو ربهم وهو مهلكهم ، وقد أخذ المتكلم مع الغير للدلالة على عظمة الشأن وجلالة المقام ، وأن له وسائط يعملون بأمره ويجرون بمشيته.
وقوله : « وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ » أظهر المفعول ولم يقل : وأغرقناهم ليؤمن الالتباس برجوع الضمير إلى آل فرعون والذين من قبلهم جميعا.
وقوله تعالى : « وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ » أي جميع هؤلاء الذين أخذهم العذاب الإلهي من كفار قريش وآل فرعون والذين من قبلهم كانوا ظالمين في جنب الله.
وفيه بيان أن الله سبحانه لا يأخذ بعقابه الشديد أحدا ، ولا يبدل نعمته على أحد نقمة إلا إذا كان ظالما ظلما يبدل نعمة الله كفرا بآياته فهو لا يعذب بعذابه إلا مستحقه.