باب الأعداد ـ أما ترى أنه كفر من قال : إنه ثالث ثلاثة؟ وقول القائل : هو واحد من الناس ـ يريد به النوع من الجنس ـ فهذا ما لا يجوز لأنه تشبيه ، وجل ربنا وتعالى عن ذلك.
وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه ، كذلك ربنا ، وقول القائل : إنه عز وجل أحدي المعنى ـ يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربنا عز وجل.
أقول:ورواه أيضا في المعاني،بسند آخرعن أبي المقدام بن شريح بن هاني عن أبيه عنه (ع). وفي النهج ، : أول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ـ لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف الله فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حده ، ومن حده فقد عده (الخطبة).
أقول : وهو من أبدع البيان ، ومحصل الشطر الأول من الكلام أن معرفته تنتهي في استكمالها إلى نفي الصفات عنه ، ومحصل الشطر الثاني المتفرع على الشطر الأول ـ أعني قوله عليهالسلام : فمن وصف الله فقد قرنه (إلخ) ـ أن إثبات الصفات يستلزم إثبات الوحدة العددية المتوقفة على التحديد غير الجائز عليه تعالى ، وتنتج المقدمتان أن كمال معرفته تعالى يستوجب نفي الوحدة العددية منه ، وإثبات الوحدة بمعنى آخر ، وهو مراده عليهالسلام من سرد الكلام.
أما مسألة نفي الصفات عنه فقد بينه عليهالسلام : « بقوله أول الدين معرفته » لظهور أن من لم يعرف الله سبحانه ولو بوجه لم يحل بعد في ساحة الدين ، والمعرفة ربما كانت مع عمل بما يرتبط به من الأفعال وترتب آثار المعروف ، وربما كانت من غير عمل ، ومن المعلوم أن العلم فيما يتعلق نوع تعلق بالأعمال إنما يثبت ويستقر في النفس إذا ترتب عليه آثاره العملية ، وإلا فلا يزال العلم يضعف بإتيان الأعمال المخالفة حتى يبطل أو يصير سدى لا أثر له ، ومن كلامه عليهالسلام في هذا الباب ـ وقد رواه في النهج ـ : « العلم مقرون بالعمل فمن علم عمل ، والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه.